1

كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد النبي إيليا المجيد 2011\8\2

” طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها . كان إيليا إنسانا ً تحت الآلام مثلنا ، وصلى صلاة أن لا تمطر ، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضا ً فأعطت السماء مطرا ً . وأخرجت الأرض ثمرها.”(يع 5: 16-18).
أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها الزوار الحسنى العبادة

إن إيلياس المجيد ، المتقدس قبل الحبل به العقل الناري ، الملاك المتجسد والإنسان السماوي ، وسابق حضور المسيح الثاني الإلهي ، قاعدة الأنبياء وركنهم قد دعا محبي الأعياد دعوة روحية لكي يعيدوا لتذكاره البهيج بصعوده إلى السماء بمركبة نارية .
إن النبي إيليا ، وفي يومه المكرم هذا إستبان لنا بالقول والفعل ، إنسانا ً بارا ً فهو نموذج ٌ يحتذى به بشكل كبير ، من خلال تضرعاته إلى الله التي تُقتدر كثيرا ً بمرامها ونتائجها المرموقة .
إن القديسين في العهدين القديم والجديد، حسبوا ” متقدسين قبل الحبل بهم”. ” قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك” (إر 1: 5) .وذلك ليس لأن قد تم اختيارهم من قبل الله لصفاتهم النبوية أو الرسولية، إنما لكونهم قد حافظوا من خلال إيمانهم على نقاوة قلوبهم وصفاء سريرتهم، وهكذا بخبرتهم المميزة وشركتهم بعمل الروح القدس فيهم نجحوا في معاينة الله . تماما ً كما يذكر الإنجيلي متى ” طوبى لأنقياء القلوب لأنهم يعاينون الله” (متى 5:8 )
لذا هلموا نرى ما يقوله لنا مرنم الكنيسة : ” لقد أصبح إيليا التسبي معاينا ً لله . فأبصر مع موسى ما لم تره عين ٌ ، ولم تسمع به أذن ٌ . ولا خطر على قلب أحد من بني البشر الأرضيين. فإنه أبصر على جبل تابور الرب الضابط الكل المتجسد” .
بكلام أخر ، الأنبياء الذين إمتلكوا في ذواتهم قوى وطاقات إلهية ، وشحنوا أنفسهم بمفاعيل وإلهام الروح القدس في مسار حياتهم ، أصبحوا مبشرين مشيئة الله للناس.
حسب هذا المنوال يتحقق ما قاله القديس يعقوب أخو الرب حول النبي إيليا : ” طلبة البار تقتدر كثيرا ً في فعلها . ”
( يع 5: 16 ). علما ً أن النبي إيليا كان إنسانا ً مثلنا ، طبيعته تساوي طبيعتنا بضعفها وركاكتها ، لكن قوة الصلاة النارية التي كان يلهج لها ، حققت طموحاته وطلباته.
فمن الناحية التحليلية لشخصية النبي إيليا – قاعدة الأنبياء وركنهم الوطيد صاحب الغيرة الإلهية المتقدة – لك يستطع هذا النبي الغيور أن يتحمل إرتداد شعبه عن مشيئة الله، الأمر الذي حذا به أن يفرض قصاصا ً وعقابا ً لهذا الشعب الضال ، كما يظهر هذا مرنم الكنيسة القائل : ” لما عاين إيليا وفرة آثام الناس وكثرة محبة الله للبشر التي لا تحد . احترم غيظا وأتى القسوة في كلامه مع الله المتحنن قائلا ً : إسخط على الذين عصوك أيها الديان العادل “.
إن تطلعات إيليا الني غير محصورة فقط في إعتقاد شعبه العاصي ، لكنه يتوق إلى توبتهم وعودتهم إلى ربه أي إلى الله .
لقد كان من الحق ومن باب المسؤولية أن هذا الشعب يوقف نشاطاته وسلوكياته الخاطئة التي بناها مع جماعة الأشرار والملحدين عباد الأصنام والآلهة المزيفة ، آلهة البعل . هذه الجماعة الداخلية والمرفوضة من الله رفضا ً تاما ً. كما يقول صاحب المزامير : ” أبغضت جماعة الأثمة ومع الأشرار لا أجلس” (مز 25: 5) .
إن محبة الله غير المحدودة للبشرية قاطبة . هي العامل المركزي والأساسي لتدخل العناية الإلهية في الأوقات العصيبة والحرجة ، كإرتداد الشعب عن الوصايا والناموس . وذلك من خلال المختارين الذين أعدهم الله مسبقا ً مثل النبي إيليا الذي وصفه يشوع بن سيراخ وصفا ً دقيقا ً : ” وقام إيليا النبي كالنار ، وتوقد كلامه كالمشعل” (إبن سيراخ 48: 1).
ومن الجدير بالذكر أن كلام النبي إيليا هذا الذي ذكره يشوع إبن سيراخ ، يتمحور بإعداد شعب الله لإستقبال سر التجسد ، تجسد كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من العذراء مريم التي هي من بيت داود.
أيها الأخوة الأحباء
إن كلمة النبي إيليا التي تشبه المشعل في حرارتها وقوتها ، لا يقتصر تأثيرها فقط في الماضي وقت كرازتها للشعب. إنما ما زال تأثيرها مستمرا ً حتى يومنا هذا الحاضر . فهي موجهة لنا نحن شعب المسيح وكنيسته، فهي نبراسٌ لحياتنا الأرضية ، وذلك لأننا نعيش في أوقات الإرتداد والفجور والإثم.
ويا للأسف ، فإن إيماننا الحقيقي والخلاصي بالمسيح إلهنا يندمج مع إيمان جميع الديانات التي تسجد وتعبد الأصنام.
عبادة الأصنام في هذه الفترة الحاضرة ، تظهر بطرق عديدة ومتنوعة ، فمن الصفات المميزة لهذه العبادة هي العبادة المغايرة في الأخلاقيات ، المخالفة للتعاليم القويمة والصحيحة للإنجيل ولكنيسة المسيح المقدسة ، كل هذا تخت اسم “الاستقلال الأخلاقي للإنسان” الذي يرفض ويقاوم الاستقلال الأصلي بالمسيح يسوع . فالقديس يوحنا الإنجيلي يكتب مجاهرا ً ما قاله المسيح عن نفسه : ” أنا هو الطريق والحق والحياة ” (يو 14 : 6). وكذلك ” أنا هو نور العالم” (يو 8 :12).
الكلمة النبوية المشتعلة والفعالة لإيليا المجيد ، والتي تقتدر كثيرا ً في فعلها بالمسيح ، والتي تتكرر من خلال وعظ ونصائح القديس بولس الرسول القائل: ” ولا تشاكلوا هذا الدهر ، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة ” (رومية 12: 2).
إذا ً وفي هذا اليوم المقدس ، نتضرع إلى الملاك المتجسد إيليا المجيد الذي نحتفل بتذكاره بكل حفاوة وتكريم ومع المرنم قائلين ” إنك لا تفارق عرش الجلال أبدا ً أيها النبي كاروز المسيح . وع ذلك فأنت تحضر دائما ً عند كل واحد من المصابين بالأمراض. وفيما تخدم في العلاء تبارك كل المسكونة . ممجدا ً في كل مكان. فاستمد الغفران لنفوسنا”.
وكل عام وانتم بخير




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاحتفال بالخدمة الإلهية في عمان 3/7/2011

“لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره, وهذه كلها تزاد لكم” (متى 22-33)
أيها الإخوة
هذه هي وصية الرب يسوع المسيح لرسله الأطهار وللإنجيليين المكرمين, وخاصة للإنجيلي متى البشير. إن كنيسة المسيح المقدسة تكرم العيد الجامع للرسل الأطهار تكريما خاصا ومميزا.
يسبق هذا الإكرام, وهذا الاحتفال المبارك, صياما خاصا, المعروف باسم صيام الرسل القديسين, فهو يعتبر من إحدى الصفات الجوهرية للكنيسة, الواقعة تحت إطار: الرتبة الرسولية للكنيسة, وهذه الميزة وهذه الصفة حافظت وتحافظ على كنيسة الله من الرسل المزيفين والأنبياء المزيفين.
إن في هذا اليوم تغمرنا بركات كبيرة, كوننا نجتمع الإخوة ممثلي الكنائس الأرثوذكسية, وخاصة الكنائس الرسولية مثل بطريركية الإسكندرية, وبطريركية أنطاكيا وبطريركية قبرص الأصيلة.
إن الهدف لوجود ممثلي الكنائس الإخوة هنا: هو تهيئه, وتحضير للقاء الشامل لكنائس الشرق الأوسط, وأيضا تقديم شهادة للشركة المتبادلة ذات صوت الأرثوذكسية الواحد إلى أرجاء العالم. وخاصة لمنطقتنا التي تمر في تجارب عديدة ومتنوعة في الشرق الأوسط.
اتحاد الكنيسة ينبع من الاتحاد الذي قام به السيد المسيح. حينما أصلح بذاته الإنسان الساقط مع الله الأب, أي عمل ألمصالحه هذا تم من خلال ادم الجديد ربنا يسوع المسيح.
شهادة الاتحاد هذه تملئ علينا وتدعونا من خلال مفاعيل الروح القدس’ روح المسيح, لنكون نحن أيضا ذو عطاء بكل زمان ومكان, ووقت.
الوقت في صيام الرسل, هو الفترة الملائمة والأكثر أهمية, لان فريضة الصيام تعتبر من الوصايا التي وضعها الله الأب منذ البدء؛ وبحسب القديس يوحنا السلمي “…, صلاة النقاوة…, حصن للطاعة, صحة الجسد, غفران الخطايا وأخيرا باب الفردوس والنعيم.
هذا بالتدقيق أيها الإخوة: هي كرازة رسل كنيستنا الأطهار, من خلال تحضير وتهيئة الإنسان داخليا إلى باب الفردوس والنعيم, أي ملكوت وبر الله.
“لقد طفتم الخليقة كلها يا تلاميذ المخلص. فأحرقتم بتعاليمكم ضلالة الأوثان كمادة قابلة الاحتراق. واصطدتم الأمم من عمق الجهل والغباوة. وهديتموهم إلى معرفة الله فخلصتموهم.” (الذكصا بعد الاينوس).
أيها الإخوة
إن دخول كلمة الله داخل حيز تاريخ البشرية يتمحور حول شخص الروح القدس (روح الله), كما أكده الرب يسوع المسيح في حديثه ألخلاصي مع المرأة السامرية إذ قيل:”… حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للأب بالروح والحق… الله روح, والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”
(يو 4:23-24). هذا الروح الذي سبق وأنار بطريقة ظليه مكنونات عديدة ومختلفة أنار من ناحية ثانية الرسل الأطهار عند استعلانه لهم جوهريا يوم العنصرة؛ وتتميما لوعد المسيح الصادق للتلاميذ, قبل صعوده الى السماء: “وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم, بل ينتظروا “موعد الأب الذي سمعتموه مني… وأما انتم فستعمدون بالروح القدس, ليس معد هذه الأيام بكثير” (أعمال 1 4-5).
إن اختيار الأنبياء من ناحية, وكذلك اختير الرسل من ناحية أخرى, وإسناد المهمات التبشيرية لهم. يخضع لمخطط التدبير الإلهي, لتغيير وإعادة الناس والبشر المخلوقين بصورة الله الأب من الظلمة إلى النور. فشهادة بولس الرسول الشخصية, الذي كان مدعوا إلى الوظيفة الرسولية من قبل يسوع المسيح تؤكد حقيقة هذا الاختيار: ويلكن قم وقف علا رجليك. لأني لهذا ظهرت لك. لانتخبك خادما وشاهدا بما رأيت. وبما سأظهر لك به, منقذا إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا ألان أرسلك إليهم لتفتح عيونكم كي يرجعوا من ظلمات الى نور, ومن سلطان الشيطان إلى الله (أعمال 26:16-17).
الأنباء, والرسل الأطهار هم النخبة الذين تم انتقائهم, بالهام الروح القدس: الأنبياء هم النخبة من شعب الله المختار, والرسل هم النخبة الفريدة من شعب الله المختار ومن الأمم.
الرسل الذين سلموا الروح المعزي, أي روح الحق جوهريا, روح المسيح الذي هو كمال الناموس والأنبياء, فالمسيح كلمة الله قد أتم التدبير الابور أي تدبير الله الأب.
التدبير الأبوي الإلهي: أعطي بدءا إلى مجموعة الأنبياء التي كانت مرهونة تحت وكالة, أما بالنسبة إلى الرسل فانه قد أعطي لهم شخصيا. الذين كونهم معروفين, أصبحوا الوارثين الحقيقيين والقانونيين لانجاز مخطط التدبير ألخلاصي بالمسيح يسوع.
هكذا تنضح الحقيقة من خلال الوراثة الجديدة بالمسيح يسوع. فقد تم العبور من كنيسة الناموس إلى كنيسة المعزي, كنيسة الروح القدس, التي تحققت بكمالها, يوم العنصرة في اجتماع الرسل الأطهار في علية أورشليم الوظيفة النبوية والرسولية التي تظهر جلية بصدق رسالتها وأصالة الموحي بها داخل طيات الكتاب المقدس بعهدية القديم والجديد؛ ترشدنا بكل دقة على زور الوظيفة الأنبياء المزيفين, والرسل المزيفين, كما يذكر الإنجيلي متى البشير “ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين” (متى 24:11). ويقول القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس “لان مثل هؤلاء هم رسل كذبة, فعله ماكرون, مغيرون شكلهم الى شبه رسل المسيح, (2 كو 11:13).
إن يسوع المسيح كلمة الله المتجسد والمتانس, مصدر كل رتبة نبوية, رسولية وكهنوتية, كما يقول الإنجيلي لوقا: “… يسوع الناصري, الذي كان أنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب” (لو 1924), وحسبما يقول الحكيم بولس لأنه هو “الذي جعله وارثا لكل شيء (عب 2:1)”, وأيضا : “لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع” (عب 1:3), وأيضا “مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق” (عب 10:5).
كنيسة المسيح تحتوي داخلها:
1) إعادة الإنسانية من الظلمة إلى النور
2) تحرير الإنسان من سلطان الشيطان إلى حرية الله. “ومن الذين أنا ألان أرسلك إليهم لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى النور, ومن سلطان الشيطان إلى الله (أعمال 26: 16-17).

الكنيسة هي مستودع والإطار الروحي لخدمة الرسل الأطهار وخلفائهم الكهنة الذين يقومون بتتميم العمل الإلهي الليتورجي الملموس والظاهر على الأرض. ليتسنى لهم انجاز عمل المسيح ألخلاصي, كما الطغمات الملائكية للكنيسة غير المنظورة في السماويات. إن الكنيسة المسكونية أقيمت على أساس الرسل, كما يؤكد ذلك الرسول بولس العظيم “مبنيين على أساس الرسل” (افسس 20:2). لذا حري بنا ان ندرك المكانة الفريدة للرسل الأطهار عن باقي مواكب القديسين الأبرار.
لذا تسمُ كنيستنا: الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية. فالانتماء ألرسولي يربطنا من الناحية التاريخية والإيمانية والعقائدية بعظمة هذا الانتماء الروحي لهذه الكنيسة محفزا إيانا أن نحفظ شوط الإيمان غير مقتسم, لنكون أمناء حافظين بعناية هذه الوديعة الإلهية لنا وللبشرية جمعاء. أمين




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاربعين لانتقال الأب يوسف خوري في سخنين

“أنت وحدك غير ماثت يا من صنعت الإنسان وجبلته, فنحن البشر إذا خلقنا من الأرض سنذهب كما أمرت يا جابلي, وقلت لي انك ارض أنت والى الأرض تعود حيث نذهب نحن جميع الأنام صانعين مراثي التجنيز بتسبحه الليلويا” (البيت – سبت الأموات).

في اقوال مرنم الكنيسة, نلاحظ بوضوح معنى حياة الانسان, فان الله قد جبل وصنع الانسان من الارض من خلال نسمة الحياة التي نفخها فيه. فلذلك فان الضابط والمسيطر على الموت والفساد, والحياة والخلود هو الله ضابط كل شيء.

فكون الانسان هو من التراب فلا محالة فانه سيذهب ثانية الى التراب. فكما تكوين الجنين ونموه في الرحم حتى يخرج الى الحياه انسانا جديدا هو سر عظيم, كذلك الموت هو ايضا سر عظيم. فالفرق فيما بين هذين السرين هو: انه في الولادة يعم الفرح, وفي الموت يستولي الاسى والترح.

لقد حاول الإنسان عبر تاريخ البشرية أن يعطي تفسيراً للموت، ربما تفسيراً منطقياً يستطيع من خلاله الكشف ولو بشيء بسيط عما يجول ما تفسيراً منطقياً يستطيع ن خلاله الكشف ولو بشيء بسيط عما يجول ما وراء هذا السر غير المدرك…. – فالموت ا هو إلا حالة الفساد-

إن لرب يسوع المسيح ومن خلال تعاليمه السماوية وطرقه الخلاصية ، سلمنا معرفة وجودنا ، وحقيقة حياتنا، بأجلى بيان. فهو القائل : ” أنا هو الطريق والحق والحياة ، فكل من آمن بي وإن مات فسيحيا”.

كون الانسان مخلوقاً على صورة الله ومثاله، لا يقتصر وجوده على الجانب الحي البيولوجي، إنما يتمتع بشكل فريد ومميز بعطية الروح أو عطية النفس، فحتى العلم المتطور في أيامنا هذه لا يرفضها أو يشكك في صحتها وبحقيقة وجودها.

إن الروح في الإنسان غير منظور وغير ملموس ولا يمكن إدراكه، إلا من خلال الإيمان بالمسيح وبتعاليم الكنيسة المقدسة. فحسب تعاليم الكنيسة ، وأقوال المسيح . فإن سبب الموت هو الخطيئة وسقوط الإنسان، ولكن بالمسيح يسوع يلبس الموت معنى آخر ، لأن المسيح بموته أمات الموت ، وحرر الإنسان من سلطان إبليس. فكل من مات مع المسيح فقد إنتقل إلى الحياة الأبدية السعيدة.

وكما يؤكد القديس بولس الحكيم: ” أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح إعتمدنا لموتة.

فدفنا معه بالمعمودية للموت حي كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب هكذا نسلك في جدة الحياة . لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته… عالمين أن المسيح بعد ما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً . لا يسود علية الموت بعد” (رومية 6: 3-10).

اليوم نحن نقوم بتذكار الأربعين لنفس أخينا المنتقل الأب يوسف خوري الذي إعتمد بموت المسيح، والذي قد خدم المسيح من خلال سر الكهنوت. فكما أن للإنسان حياة أرضية ملموسة ومنظورة، كذلك حياة روحية غير منظورة وغير ملموسة، هكذا توجد حياة محدودة زمنياً في هذه الأرض ونهايتها الفساد، وأيضاً أبدية في ملكوت السموات نهايتها الخلود.

وكما يقول مرنم الكنيسة عن هذه الأبدية: ” حيث لا حزن ولا تنهد بل حياة لا نهاية لها”.

ولكن وبكل تدقيق : الموت هو المعبر الذي يقودنا إلى الحياة بعد الموت ، لهذا السبب فإننا نطلب من الله أن يتعطف علينا بمراحمه الكثيرة غفران زلات المنتقل، لأن هو الحق والنور والعدل، فالعدل الإلهي يختلق عن العدل البشري، لا بل لا مجال للمقارنة بينهما.

لذا سيخضع الإنسان لدينونة الله العادلة، هذه الدينونة تعتبر الدليل القاطع على مدى عمق عناية الله لما بعد الموت، وكذلك تأكيداً على وجود وإستمرار الحياة الأبدية.

فبعد مراسيم دفن المنتقل، تقوم الكنيسة بخدمة صلاة النياحة بعد ثلاثة أيام من الرقاد وبعد تسعة أيام وبعد أربعين يوماً بالأضافة إلى التذكار السنوي. وكذلك تقوم الكنيسة بصلوات خاصة لراحة نفوس المنتقلين كافة في كل قداس إلهي. وهذا ما يؤكده سنكسار الكنيسة : فالقديس مكاريوس الكبير الذي بينا كان عابراً في الطريق وجد جمجمة يابسة لرجلٍ يوناني ملحد. فسألها قائلاً: أيشعر من في الجحيم بعزاء وسلوة ما؟ فأجابت قائلة: نعم يحصلون على نياحٍ عظيم عندما تصلي أيها الأب عن الراقدين.

لماذا تقوم الكنيسة بهذه الخدم وخاصة الثلاثة أيام والتسعة أيام والاربعين يوماً ؟ لأنه وكما يقول أباء الكنيسة، وخاصة القديس غريغوريوس اللاهوتي: أننا نعمل للميت ثالثاً لأن في اليوم الثالث يستحيل منظر وجهه ثم تاسعاً لأن في اليوم التاسع تتمرق الجبلة كلها في القبر ويبقى القلب وحده سالماً. ثم أربعين إذ حينئذ يفنى والقلب ذاته لأن التكوين أيضاً يصير على هذه الصورة بحيث أنه في اليوم الثالث يتصور القلب وفي اليوم التاسع يتجمد الجسد وفي الأربعين يرتسم إلى منظر كامل.

إننا في هذا المراسيم الجنائزية،إجتمعنا في هذه الخدمة الليتورجية متضرعين إلى الثالوث القدوس حيث نقيم في إحتفالنا هذا خدمة عيد العنصرة أي حلول الروح ا لقدس على التلاميذ الأطهار، وهذا هو الروح الحقيقي الذي تكلم عنه السيد المسيح مع المرأة السامرية: إن الله روح

والساجدين له ينبغي لهم أن يسجدوا بالروح والحق.

هذا هو الروح المعزي روح المسيح الذي نطلب منه في هذا اليوم الخاص أن يريح نفس أخينا المنتقل الأب يوسف خوري حيث يسكن الصديقون والأطهار والأبرار يستريحون. ومع المرنم نقول:

“أيها الإله الرأوف المخلص يا من أبدعت جسد الإنسان من الأرض وأحييته بالروح . نيح عبدك الأب يوسف خوري في فردوس النعيم حيث الحياة التي لا تشيخ . أمين”




كلمة ترحيب في القاعة لصاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديسين قسطنطين وهيلانه ألمعادلي الرسل في مدينة شفاعمرو بتاريخ 4/6/2011

الإخوة الإجلاء, الحضور الكريم.
“فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب” (مز 1:127).
هذا هو الفرح الروحي الذي يملئ قلوبنا, ويثبت إيماننا, ويقوي رجائنا. فمنذ ثلاثة أيام احتفلت الكنيسة المقدسة بصعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء بجسده الممجد, معيدا الطبيعة البشرية الساقطة, إلى أعلى مرتبة يمكن ترتقي إليها, فهي ألان تجلس عن يمين مجد الأب. هذه الدعوة الخلاصة الموجهة إلينا تدعونا لان تبقى عيوننا شاخصة إلا السماء حيث يكمن مسكننا الأبدي.
وبعد أسبوع من ألان تقريبا ستحتفل الكنيسة بعيد العنصرة أي حلول الروح القدس على التلاميذ الأطهار.فهذا العيد هو عيد ولادة الكنيسة وبدء عملها ألخلاصي لتكون شاهدة لعمل المسيح ألخلاصي للبشرية جمعاء.
وبين هذين العيدين, تغمرنا فرحة خاصة ونحن في هذا المكان المقدس, وفي هذه المدينة الأبية مدينة شفاعمرو, حيث نحتفل بعيد القدسيين والملكين العظيمين قسطنطين وأمه هيلانه.
القديس قسطنطين اخذ الدعوة من لدن المسيح الإله, فبقوه الصليب حقق انتصاراته الباهرة, موحدا شطري الإمبراطورية, ناشرا الإيمان المسيحي, متمما ما قاله القديس بولس : “لان كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح, ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى, لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع” (غلاطية 3:27-28). تحت هذا الشعار حصن مذهب الرومية التي ضمت تحت كنفها جميع القوميات, من خلال الإيمان القويم المستقيم الرأي. فحصل على لقب المعادل الرسل عن حق وجدارة.
وأمه القديسة هيلانة وهي في الثمانين من العمر, قامت برحلتها التاريخية, وبين دعوته للقديس قسطنطين ليأخذ الدور التاريخي الهام لدعم وتنشيط عمل الكرازة والبشارة ضمن أقاليم الإمبراطورية كافة.
ترتكز بشارة الخلاص في الكنيسة على عمل المحبة فهي الأساس وهي الجذر التي منه تنمو جميع الفضائل. ومن ثمار المحبة فرح, سلام, طول أناة, لطف, صلاح, إيمان, وداعة, تعفف (غلاطية 5:22). هذه الفضائل إذا ما اقترنت بالصلاة والصوم, ترفعنا عاليا نحو السماء بفعل وقوة الروح القدس.
يقول صاحب المزامير:”هامنذ ألان باركوا الرب يا عبيد الرب كافة”(مز 1:133).
بكل حق علينا أن نقدم الشكر من صميم القلب للثالوث القدوس المحيي لان كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة هي من العلاء منحدرة من لدنك يا أبا الأنوار, فنحن نشكر جميع الذين ساهموا وقاموا بهذا العمل الكبير ببناء هذه المكان, وبذلوا كل جهد لإنجاحه “فحيث اجتمع اثنين او ثلاثة باسمي فانا أكون في وسطهم” (متى 20:18). املين أن تستمر روح الخدمة في هذا المكان المقدس, ليس من داخل الكنيسة فحسب, إنما أيضا خارج الكنيسة “فبهذا يعرفون أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض” (يو 35:13).
نتمنى لجميع الحاضرين مع حفظ الألقاب, دوام الصحة والعافية, مستمرين لكم البركات الروحية, املين ان تبقى هذه المدينة نبراسا يضيء لجميع الناظرين أليها, فهي قوية بروح المحبة الباذلة في ابنائها, المقدامة في عطائها, النبيلة في سبلها, المتميزة بأريحية رجالها. فمنهم أهل المعروف, ونخص فيهم بني معروف.
وكل عام وانتم بألف خير.




كلمة صاحب الغبطة بمناسبة تخريج طلاب مدرسة الطيبة لعام 2011

ترحيب بالحضور السيادة إلى الطيبة رام لله وبيت ساحور

أود أولاً أن أعبر عن بهجتي الزاخرة وسروري العميق لمشاركتي إياكم حفل التخريج هذا الذي نكرم فيه جهود الطلبة بإتمام واجباتهم العلمية للحصول على شهادة الثانوية العامة رغم الظروف السياسية والإقتصادية السائدة والسيئة في وطننا الغالي فلسطين، والإغلاقات والحالة النفسية الصعبة التي يعيشها طلابنا الأحباء، كما نقدر بإجلال وإعتزاز عميقيين أولياء الأمور والمعلمين والمعلمات والهيئة الإدارية للمدرسة على ما بذلوه من جهد كي يتمكن الطلبة الأعزاء من تخطي هذه المرحلة العلمية التي تؤهلهم لدخول عالم مختلف ومتنوع من حيث الخيارات والمسؤوليات في سبيل التسلح بمزيد من العلم .

إن الإنسان أيها الإخوة يستحق دائماً أن يكون في وطنه وتحفظ له حقوقه في فرص التقدم وتصان له كرامته والسبيل لتحقيق ذلك كله هو التسلح بالإيمان بالله ومعرفة حقائق العصر واحتياجاته وتوظيف العلم وتقديره لخدمة الإنسان والإنسانية وإن إصلاح كل شيء في المجتمع يبدأ بالتعليم والعلم هو قاطرة التنمية ونبراسها وبه يرتقي الإنسان أعلى المراتب وبه تستقيم حياته.

إن التقدم في مجال التعليم ليس بالأمر المستحيل فقد سبقنا فيه من هم ليسوا أفضل منا لكنهم اهتدوا الى أهميته قبلنا، وأعطوه الأولوية اللازمة، وإلتزمت الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني معاً في دعمه ونتج عن ذلك تقدم وإزدهار تلك الأمم. وفلسطين وفلسطين الأرض المقدسة الأرض المعذبة ليست ببعيدة عن ذلك الإزدهار والتقدم العلمي فقد كان العرب تاريخياً محور لافت ولهم مساهمات بارزة في مضمار إكتساب المعرفة وبالتالي رفد المخزون المعرفي للبشرية جمعاء.
ولهذا فإن الجهود القائمة والتي ينبغي العمل على دعمها وتعزيزها أكثر فأكثر عبر تظافر جهود الأفراد والمنظمات والهيئات والجامعات والدول لإقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية ومها فلسطين سوف تشكل نتائجها إستعادة لأهم المحطات في تاريخ الوطن العربي حيث كانت النهضة العلمية احد أبرز معالم العالم العربي الحضارية التي لا يمكن فهمها منذ بدايتها دون الوقوف على البعد العلمي فيها حيث كان العلم يشكل عنصراً أساسياً في الثقافة العربية العامة وفي وعي الناس.

إننا نفتخر بالتغيرات الإيجابية والتقدم الذي حصل في هذه المدرسة خلال العام الأكاديمي المنصرم والذي شكل الخطوة العلمية الأولى في طريق تنفيذ خطتنا التطويرية الخاصة بالمدارس الأرثوذكسية حيث أتت التغيرات الإدارية والأكاديمية

في وقتها لرفعة المستوى التعليمي والتربوي والأداء الإداري للمدرسة ولسوف نعمل بجد واجتهاد وبإصرار على تحسين الأوضاع الداخلية والمالية لمدارس البطريركية رغم الظروف الإقتصادية الصعبة السائدة في عالمنا اليوم.

أتعهد أمام الله سبحانه وتعالى وأمامكم أن تستمر برامج تطوير المدارس الأرثوذكسية ويستمر تشجيع تعاونها الأكاديمي والديني والرياضي والثقافي والفني مع باقي المدارس الموجودة في وطننا الغالي فلسطين حتى تُصبحُ معلماً من معالم النهضة العلمية والثقافية والحضارية لبناء الإنسان المسلح بالعلم والمعرفة وتأمين الخريجين القادرين على متابعة تعليمهم
في كبرى جامعات العالم حتى يتمكنوا أن يكونوا أعمدة في عملية تنمية شاملة في الأراضي المقدسة وان نزرع فيهم المحبة والتسامح و الانتماء و التواضع و الوحدة. فهذه الصفات علينا جميعاً أن نتحلى بها لاننا بذلك نسطيع أن تصبح اولادأً حقيقين لابينا السماوي كما وصفنا سيدنا يسوخ المسيح له المجد في الانجيل المقدس ” انتم نور العالم فلضئ نوركم هكذا قدام الناس ليروا اعمالكم الصالحة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات” و قال ايضا ” انتم ملح الارض فان فسد الملح بماذا يملح” .

وهنا لابد لنا ان نقول كلمة حق امام الله و امامكم و امام مدير التربية والتعليم الحاضر بيننا اليوم الاستاذ الفاضل و المربي عبد الله شكارنة و الاسرة التعليمة عامة نشد بالدورالريادي و الاكاديمي التعليمي الذي يقومون به بمساعدتهم و مساندهم للمادراس الخاصة في هذه المحافظة من اجل رفع شان مدرسنا و ازدهارها و الذي يعود لمنفعة وطننا الغالي فلسطين.

إنني اثني على جهود الإدارة والمعلمين والمعلمات والطلاب راجياً النجاح والتفوق في إمتحان الشهادة الثانوية لهذا العام مع خالص بركاتي لهم بتحقق ذلك وإن شاء الله لسوف نحتفل بمثل هذه المناسبات في بناء أجيال المستقبل وقد نحقق آمال وأهداف شعبنا الفلسطيني المعذب بالحرية والحق والإستقلال بإقامة الدولة الفلسطينية وبذلك يعم السلام في الأراضي المقدسة وفي العالم.
وفي الختام وإنه ليسعدني أن أزف لكم خبراً سعيداً حيث أننا في وقت مناسب لسوف نضع حجر الأساس لمدرسة أرثوذكسية جديدة في مدينة بيرزيت وتعمير مدرسة بيت جالا ووضعنا حجر الأساس لمدرسة جديدة في مدينة البشارة الناصرة ولسوف نعمل دائماً من أجل بناء مدرسة جديدة في كل قرية ومدينة في الأراضي المقدسة.

وكل عام وانتم بألف خير