كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسة بشارة العذراء مريم في مدينة الناصرة 7/4/2011

” اليوم بدت بشائر الفرح. اليوم اقبل موسم العذراء فتتحد السفليات بالعلويات. ويتجدد ادم . وتنعتق حواء من الحزن القديم. فان الخباء الذي في جوهر طبيعتنا صار هيكلا لله بتاليه العجنه التي اخذت منه. فيا للسر العظيم. ان طريقة الاخلاء لا تعرف وكذلك طريقة الحبل لا تدرك. ان ملاكا يخدم المعجزة. والبطن البتولي يقبل الابن. والروح القدس يرسل. والاب من العلاء يرتضي. والمصالحة تتم عن ارادة ارادة عامة. ولما نحن قد خلصنا بها وفيها. فلنهتفن مع جبرائيل نحو العذراء قائلين: افرحي يا ممتلئة نعمة. الرب معك. يا من اتخذ المسيح الهنا طبيعتنا منها فاستردها اليه. فتضرعي طالبة ان يخلص انفسنا” (ذكصاكانين – من نظم اندراوس الاورشيلمي).
ايها الاخوة الاحباء بالمسيح يسوع
ايها المسيحيون الاتقياء
بهذا الكلام تكرم كنيسة المسيح المقدسة, وبفم القديس اندراوس الاورشيلمي – العسجدي اللسان ذي البوق الاهوتي, بترانيمه الاخاذه وتسابيحه الورحية – الفائقة القداسة بين البشر جمعاء, ابنة الناصرة مريم العذراء, والتي منها وفيها تم بدء خلاصنا باشتراكها في هذا السر غير المعلن منذ الدهور.
يتمحور هذا السر في التدبير الالهي بالمسيح, وكذلك في شخص العذراء ودورها الخلاصي, كما يوضحه مرنم الكنيسة.
“لقد انحدر كلمة الله الان الا الارض. وحضر الملاك الى العذراء يقول لها: افرحي يا مباركة. يا من تفردت بحفظ الختم. وقد قبلت في حشاها الرب الكلمة الذي قبل الدهور. متجسدا لكي يخلص جنس البشر بقوة لاهوتية من الضلالة” (كاثسما اللحن الثامن – سحرية البشارة).
ان الله في محبته غير المدركة ومن نبع صلاحه الفياض, صنع الانسان بيديه على صورته كمثاله.
لكن هذا الانسان سقط بارادته, وبغواية الشيطان, فنفي اثر ذلك من فردوس النعيم, وابعد عن الصلاح الالهي.
نتيجة لهذا السقوط سلك الانسان من خلال مشورته الذاتية, متمحورا حول ذاته, فبات يرى مكنونات العالم وعلاقته بها من منظاره الشخصي, رافضا كل الرفض الطاعة والانصياع الى مشيئة الله الضابط الكل الصانع والمبدع الانسان المعتني به, الامر الذي حذا به الى حالة من الضياع والارتباك لفقدانه الحقيقة من معرفة الله من خلال ورح المسيح اي الروح القدس, هذه المعرفة الضرورية والاساسية لتحريرالانسان من افكار الضلال المتشبثه في فكره, والتي جعلته يعبد المخلوق دون الخالق, فكثرت من جراءها عبادة الاصنام في العالم كله.
ان الله الخالق المبدع, بولوج روحه القدوس لاحشاء البريئة من كل عيب, يبدع الجمال الاصلي – مثل ختم طبيعته , وعلى صورته كخالق- متمما اياه ومن خلال نفس الحياه هذا, اي روح القدس الساكنه فيه.
هدا هو بتدقيق الختم لطبيعة الخالق الالهية , اي الروح القدس الذي حافظ على العذراء الدائمة البتولية وظللها فاصبحت اكرم من الشيروبيم, وارفع مجدا بغير قياس من السيرافيم.
ان العذراء والدة الاله الدائمة البتولية مريم الفائقة القداسة, تعتبر بحق, العظيمة والاكثر عجبا لهذا السر الخاص للبشرية قاطبة في جميع ارجاء العالم. ذلك لان مريم ابنة الناصرة هي الشخص الوحيد في التاريخ كله وبدون ادنى شك, فهي تشارك بطريقة غير مدركة في سر افراغ الله الاب لذاته, لآشكل مماثل, وبطريقة غير معبر عنها في حملها لكلمة الله في احشائها.
وكما يذكر لنا القديس يوحنا الدمشقي كيف تم التجسد على اثر التبشير: ” اذا بعد ان قبلت العذراء القديسة, حل الروح القدس عليها, على حساب كلام الرب الذي قاله الملاك. فطهرها ومنحها ايضا قوة استيعاب لاهوت الكلمة مع ولادته. وللحال. ظللتها حكمة الله العلي وقوته , ابن الله المساوي للاب في الجوهر بمثابة زرع الهي, فاستخلص لذاته من دمائها النقية الجزيلة الطاهرة جسدا حيا, نفسه ناطقة عاقلة, هو بكر عجنتنا, ليس مزروعا بل معمولا بفعل الروح القدس”.
هكذا بحلول الروح القدس على العذراء مريم, فان الطبيعة البشرية يتم جبلها حسب جمالها الاصلي القديم. وحسب الارادة الحرة.. “قالت مريم هوذا انا امة الرب. ليكن لي كقولك” (لوقا 1:38).
الجمال القديم الاصلي : ليس الا البهاء المصنوع قديما, الذي اضاعة ادم القديم, وكما يقول المرنم القديس اندراوس الاورشيلمي : “توشح ادم سربال الخزي كورقة التين توبيخا للالام ذات السلطة الذاتية”.
في شركة البهاء الاول الالهي هذا, اراد الله اعادة الانسان الساقط وتجديده, كما يذكر بولس الحكيم : “ارسل الله ابنه مولودا من امراه… لننال التبني” (غلاطية 4:4-5).
ان القديس يوسف المرنم وكاتب التسابيح, ينشد الى العذراء مريم ويقول:
“ان الاله كلمة الله لما شاء ان يؤله الانسان , وتجسد منك يا نقية وشوهد بشرا. فتوسلي اليه بغير فتور ان نصادف رحمة في اوان الاعتذار”.
ان التاله, او خلاص الانسان, لا يدركولا يتحقق بدون تجسد كلمة الله, تماما كما يعلن القديس يوحنا الالهوتي: “والكلمة صار جسدا وحل بيننا” (يو 14:1). لكن التاله, او خلاص الانسان لهو اكثر اعجازا, واصعب ادراكا بدون العذراء والدة الاله مريم. لانه في شخص العذراء تقوضت واندثرت افكار الضلال حول الله, بما فيها جميع الافكار الفلسفيه الايديولوجية, وبطريقة اوضح: كل الافكار الميتافيزيقية. الامر الذي حذا ببطريرك المدينة المقدسة صفرونيوس ليناجي العذراء بتهليل قائلا:
افرحي يا من اظهرت الفلاسفة عادمي الحكمة.
افرحي يا من اوضحت معلمي الكلام, لا كلام لهم.
افرحي لان الاشداء في المحاورات بك حصلوا حمقى.
افرحي لان بك ذبل مخترعوا الخرافات.
افرحي لانك مزقت حبائك الاثينائيين – (الفلاسفة).
افرحي لانك افعمت شباك الصيادين – (الرسل).

ايها الاخوة الاحباء:
في هذا اليوم, الذي نحتفل فيه بعيد البشارة العذراء مريم, اصبحنا شركاء في هذه الاخبار المبهجة الالهية, وفي افخارستية جسدك ايها المسيح, هذا الجسد الكريم الذي منحته لنا لتعيد به جبلتنا ودمك الطاهرالذي به ترحضنا, لذلك وبفرح عظيم نصرخ قائلين: افرحي يا عذراء مريم الممتلئه نعمة, الرب معك مباركة انت في النساء, ومبارك ثمر بطنك لانك ولدت لنا مخلص نفوسنا.
وكل عام وانتم بخير




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة السجود لعود الصليب المقدس 27/3/2011

إن الكنيسة قد ظهرت الآن فردوسا آخر كالأول اذ حولت صليبا عودا حامل الحياة الذي بملامستنا إياه نساهم عدم الفساد” (سحرية الأحد الثالث من الصوم, الاوذية الخامسة – 4)
أيها الإخوة الأحباء بالمسيح يسوع
إن السر الإلهي لإيماننا في المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات, يدرك في الكنيسة ومن خلالها, هذه الكنيسة جسد المسيح السري تظهر كفردوس ادم الجديد, وفيه صليبه الحامل الحياة.
إذا كان تجسد كلمة الله من العذراء مريم هو سر عظيم, فصلب المسيح وحسب القديس بولس فانه لليهود معثرة ولليونانيين جهالة. أما المؤمنين سواء كانوا يهودا, أم يونانيين الصليب هو قوة الله الذي يجدد ويقدس ثانية, وهو حكمه الله التي تنير كل المؤمنين به: “ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1 كو 1:23).
لأنه وبتدقيق, الصليب هو الطاقة, والينبوع المعطي القوة الإلهية, لهذا السبب كنيستنا تقدم السجود له في نصف فترة الصيام الأربعيني المقدس, كما يقول المرنم : “ايها المسيح اليوم نستقبل نهار السجود بفرح لصليبك الحامل الحياة صانعين تزييح آلامك الكلية القدس التي صنعتها لخلاص العالم أيها المخلص بما انك قادر على كل شيئ”.
فعلا ان مخلصنا المسيح الإله, صنع الخلاص للعالم من خلال ألامه الطوعية, لأنه وحسب القديس يوحنا الدمشقي:
“إذا فان كل أعمال المسيح ومعجزاته عظيمة جدا والهبة وعجيبة, بيد أن أعجبها كلها صليبه الكريم. فلولاه لما بطل الموت أبدا, لا انحلت خطيئة أبينا الأول, ولا سبيت الجحيم, ولا تمت القيامة… لان كل شيء قد اصطلح بالصليب”.
بكلام أخر بموت مخلصنا يسوع المسيح على الصليب, بطل الموت الناتج عن الخطيئة مثلما يكرز القديس بولس : “عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضا, لا يسود عليه الموت بعد” (رومية 9:6 ).
نحن الذين اعتمدنا بالمسيح, فإننا قد لبسنا المسيح, كما يستفيض مجرى الذهب القديس يوحنا الدمشقي: “ولذا فان الرسول بولس يقول : “إن كل من اصطبغا منا في يسوع المسيح اصطبغ في قوته” و “نحن جمله من اعتمدنا في المسيح قد لبسنا المسيح” و “والمسيح قوة الله وحكمه الله”. فهوذا موت المسيح – أي صليبه – قد ألبسنا حكمة الله وقوته الاقنومية.
لان موت المسيح – الصليب – لبسناه مع حكمة الله وقوته الاقنومية , لهذا نسجد للصليب لنصبح شركاء في حكمته وقوته اللاهية.
في عيدنا الكريم في هذا اليوم يقول المرنم: “تم القول النبوي لأننا ها قد نسجد في الموضع الذي فيه وقفت قدماك يا رب وإذ ذقنا من عود الخلاص نلنا العتق من الأم الخطيئة بشفاعات والدة الإله يا محب البشر وحدك.
بقوة الصليب الكريم الإلهية أيها المسيح المخلص, أهلنا لان نكون مستحقين للاحتفال بعيد الفصح السري, حيث إن ادم الساقط عاد ودخل بواسطتك إلى الفردوس ثانية.




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة الاحتفال بعيد القديس جراسيموس

” لقد جنحت عقلك بالإيمان نحو الله. يا جراسيموس الأب المتأله اللب. فنبذت بلبال العالم واضطراباته . وحملت صليبك وتبعت رقيب كل البشر . وعبدت جماع الجسد لمشاق الإمساك عن ثبات عزمٍ بقوة الروح الإلهي”
(صلاة المساء ستيشيرات برصومية – اللحن الثامن).

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها المسيحيون الأتقياء
إن كنيسة المسيح المقدسة الحسنة العبادة تكرم اليوم وباحترامٍ كبير كما يذكر المرنم، تذكار قديسنا البار جراسيموس حامل الإله، الذي تنسك في صحراء الأردن .
القديس جراسيموس وكما يذكر مرنم الكنيسة صعد سلم الفضائل صعوداً ارتقى فيه إلى قمم الرؤيا العقلية وأسرار المسيح الإلهية. بكلام آخر لقد نجح البار جراسيموس حامل الإله لأن يتحد مع المسيح ليصبح قديساً كما يقول الرب يسوع في الكتاب المقدس من خلال رسالة بطرس الرسول الأولى ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس” (1 بطرس 1: 16).
أيها الإخوة الأحباء: إن المسيح أيضاً يدعونا لكي نكون قديسين ، أي لنشارك في النور الحقيقي .” أنا هو نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة ” (يو 8: 12) .
إن من يتبعني في ملء الثقة والرجاء والطاعة بمحبة ورغبة صادقة لكلامي هكذا يقول السيد المسيح: لم ولن يوجد في ظلمة الغش والخطيئة ، لكن ستكون في داخله ينابيع مياهٍ حية ، ونور روحي يتدفق من الحياة الحقيقية أي من الله.
إن مشكلة الإنسان العظمى هي حرية الاختيار ما بين الجهل والمعرفة الحقيقية، بين النور والظلمة . ” وهذه هي الدينونة إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة ” (يو 3: 19).
كذلك فإن السبب أيضاً للخاطئين، وغير المؤمنين، والذين يحكمون ويدينون غيرهم، رفضهم لنور الحقيقية أي المسيح ابن الله الذي أتى إلى العالم، لكن الناس فضلوا ظلمة الغش ورفضوا هذا النور . لأن إعمالهم شريرة وحياتهم في مستنقعات الرذيلة .
بالإضافة إلى ذلك فإن ربنا يسوع المسيح نفسه يأمرنا قائلاً : “إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ” (متى 16: 24). هذه هي بالتدقيق وصية المسيح التي اختارها القديس جراسيموس بحريته التامة.
لهذا يقول المرنم: ” لقد جنحت عقلك بالإيمان نحو الله. يا جراسيموس الأب المتأله اللب. فنبذت بلبال العالم واضطراباته. وحملت صليبك وتبعت رقيب كل البشر . وعبدت جماح الجسد لمشاق الإمساك عن ثبات عزمٍ بقوة الروح الإلهي”.
الصليب الذي حمله القديس البار جراسيموس ، ليس إلا سلم الفضائل الإلهية . وهذا لأنه من خلال الصليب وعلى الصليب المسيح الإله، الذي يعرف كنموذج أبدي لإنكار النفس ، وإنكار الذات، وملء التواضع. ” فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً… لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبدٍ… وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب” (فيلبي 4: – 8). لأن الله رفع اسم المسيح وجعله فوق كل اسم ، هكذا يكرز بولس الإلهي.
من خلال صليب المسيح : ” والجالسون في كورة الموت وظلالة أشرق عليهم نور عظيم” (متى 4: 16).
من خلال الصليب أيضا نزل المسيح إلى دركات الجحيم وأصعد أنفس الساكنين في الجحيم وأنفسنا، إلى حرية نور مجد الله أبيه.
إن القديس جراسيموس أصبح مشاركاً للنور، نور المجد الإلهي، فقد حافظ على نقاوة وطهارة قلبه عبر حروبه الروحية والنسكية، ومن خلال هذه الحروب أشرقت عليه وعلى هذه البقاع نعمة الله المنيرة.
اليوم أيها الأخوة الأحباء ما زال هذا الإشراق مستمراً كما كان بدءاً، كما يذكر المرنم:
” بإشراق نعمة الصيام المبارك الذي بواسطته يتم إقصاء الظلمة والإنغماس الشهواني، نلتحف بالنور الذي يمنحنا التعفف، إذاً أن نظهر أثمار التوبة فنحيا”. هذا هو الوقت المقبول ، ويوم التوبة الخلاصية.
إن الرسل الآباء القديسين الملهمين بالروح القدس، هم قوى إنقاذ للنفوس الروحية. فحددوا هذه الفترة الصيامية، ألا وهي الصوم الأربعيني المقدس في بحر حياتنا الطبيعية والنفسية، الذي يتم عن أمواج آلام الشهوات البشرية، كسفينة إنقاذ لنجاتنا وخلاصنا.
إن الصيام الأربعيني المقدس فعلاً أيها الإخوة الأحباء ، هو وقت التوبة، وأيضاً وقت محاسبة الخلاص حسب أقوال القديس الستوديتيس.
في تعييدنا للقديس جراسيموس الذي حول هذه الصحراء إلى واحة روحية، يدعونا أن نغير منهج حياتنا، بتبديل صلابة نفوسنا وقساوتها، إلى واحة روحية.
المثل في النكبة حدثت في الكتاب المقدس أي الطوفان، كما حدث الآن في اليابان يظهر وبأجلى بيان أن الإنسان ليس بالخبز وحده يحيا. آمين
وكل عام وانتم بخير




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة مديح والدة الإله في رام الله بتاريخ 2011\3\18

إن الملاك المتقدم أرسل من السماء ليقول لوالدة الإله إفرحي.
إفرحي يا سلماً سماوية بها انحدر الإله.
إفرحي يا جسراً ناقلاً الذين في الأرض إلى السماء.

أيها الأخوة الأحباء بالمسيح يسوع
أيها المسيحيون الأتقياء
” هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16).
إن الله أحب عالم البشرية- التي كانت ترزح تحت نير الخطيئة- حباً جماً لا مثيل له، الأمر الذي اقتضى بابنه الوحيد أن يطيع حتى الموت ، ليعتق البشرية من الموت الأبدي، ويعطي المؤمنين به الحياة الأبدية.
السر الخفي غير المعلن، سر محبة الله للإنسان، إستعلن لنا أيها الأحباء بشخص الكلمة المتجسد يسوع المسيح من دماء العذراء الطاهرة مريم العاضدة إيانا في هذا السر الإلهي.
لهذا السبب تكرم كنيستنا المقدسة بحق وواجبٍ، وبطريقة مميزة شخص العذراء الكلية القداسة في فترة الصيام الأربعيني المبارك.
إن العذراء مريم الجديرة بكل مديح، استأهلت وبصفة خاصة وبامتياز فريد، وبصفة حقيقية واحدة ووحيدة ، والمقتصرة عليها فقط وحدها بين نساء العالم ومن خلال التاريخ البشري كله، استحقت هذا الاسم الشخصي: (ثيوتوكوس ” والدة الإله”).
القديس كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية أطلق هذا الاسم ثيوتوكوس ” والدة الإله”، رافضاً رفضاّ قاطعاً اسم والدة المسيح، لأنه أثبت من الناحية اللاهوتية أن العذراء أصبحت والدة الإله من خلال الروح القدس. ” فكل الذين يسمون القديسة العذراء والدة الإله، يقرون ويؤكدون تأكيداً حقيقياً أن واحداً يكون الابن والمسيح والرب، فهو كامل باللاهوت وكامل بالناسوت”.
وتأكيداً إضافياً لما ذكر أعلاه فإن هذا الاسم يحوي ويجمع في داخله كل الصفات والتفاصيل والأشياء اللاهوتية، فهو بالتدقيق الاسم “ثيوتوكوس” الذي يعني “والدة الإله”.
مع هذا الاسم “والدة الإله” توجه مرنم الكنيسة متضرعاً من أجلنا إلى الكلية القداسة “والدة الإله” قائلاً: يا والدة الإله أيتها الينبوع الحي الفائض بسخاء ثبتينا … لهذا فالقديس يوحنا الدمشقي يوضح أن تسمية مريم والدة الإله توضح الر بكامله فيقول : (تقرأ ببطء وتروي).
“ومن ثم فإنه لعدل وحق أن نسمي القديسة مريم والدة الإله ثيوتوكوس. لأن هذا السم يوطد سر التدبير كله، فإذا كانت الوالدة والدة الإله، فالمولود منها اله بكامله وإنسان أيضاً بكامله. وإلا كيف قد ولد من امرأة، الإله الذي له الوجود قبل الدهور، إذا لم يكن إنساناً؟ وإنه لواضح أن ابن الإنسان إنسان. وإذا كان المولود من امرأة هو نفسه إله فتتضح وحدة المولود من الله الأب بحسب الجوهر الإلهي والأزلي والمولود في آخر الأيام من البتول بحسب الجوهر الذي بدؤه في الزمن أي الناسوت . وهذا مما يدل على اقنوم واحد وطبيعتين وولادتين في ربنا يسوع المسيح”.
إن الاسم ثيوتوكوس شامل، أنه في شخص العذراء قد تمت أقوال النبي ذو البوق العظيم إشعياء. ” ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا اسمه عمانوئيل” (إشعياء 7: 14). وكذلك ” لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابناً… ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام”(إشعياء 9: 6).
ثيوتوكوس ” والدة الإله ” العذراء مريم بكلام آخر أيها الأخوة الأحباء: هي وعاء الروح القدس حسب الإنجيل للقديس لوقا “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله” (لوقا 1: 35).
أما بالنسبة لابن الله: “الملاك المشير العظيم”:
من وعاء الروح القدس العذراء مريم ومن خلال هذا الوعاء أي والدة الإله استبان لنا ابن الإنسان، عمانوئيل متجسداً من دمائها النقية.
فعلاً ، أنظروا ملياً ، لماذا مريم العذراء تدعى ثيوتوكس، وأيضاً السلم السماوي الذي من خلاله نزل الله إلى الأرض ” وإذ وجد في الهيئة كإنسان”. كما يذكر الرسول بولس في رسالته إلى فيلبي (فيلبي 2 : 7_8 ).
وبالنسبة للجسر الروحي الذي تمثله العذراء، فإنه الجسر الناقل من الأرض أي الناس إلى السماء حيث مجد ملكوت الله. وإلى هذا المجد الذي تشارك فيه العذراء، مجد ابنها وإلهها.
وكما يذكر مرنم الكنيسة : ” وفي مجدك الإلهي أهلينا لأكاليل المجد والشرف”. نحن الذين نغبطك يا جديرة بكل مديح.
العذراء مريم أيها الأحباء بالرب، كسلم وجسر طبيعي وروحي بين الله والإنسان، بين العالم السماوي والعالم الأرضي، هي النموذج الأصلي لطبيعتنا الإنسانية التي تشترك فيها. التي استحقت بنعمة الروح القدس شركة المجد الإلهي.
بالنسبة للمجد الإلهي ، ما هو إلا الحرية من موت الخطيئة الناتج من عبودية وظلمة هذا الدهر الحاضر الخداع، إلى قيامة المسيح المجيدة.
مريم العذراء الكلية القداسة والدة الإله، تشارك في مجد ابنها وإلهها، وتشارك أيضاً في قيامته المجيدة. لهذا السبب فإن كنيستنا المقدسة ومن خلال مرنميها الملهمين بالروح القدس يبتهلون إلى الكلية القداسة ، طالبين شفاعاتها نحو السيد، لنستمد المعونة لتتميم أوان هذا الصيام المقدس من خلال التوبة الصادقة عسانا نستحق الاشتراك في مجد قيامة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الظافر من بين الأموات.
وكل عام وانتم بخير




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة أورشليم كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة دخول السيد المسيح الى الهيكل

” إن الكامل بفرغ، والذي قبل الدهور يأخذ بداية، والكلمة يتجسد، والخالق يخلق، والغير الموسوع يوسع في مستودعك يا عذراء الممتلئة نعمة”

أيها ألابناء المحبوبون بالرب الفادي يسوع المسيح
أيها الزوار الحسني العبادة

عيدنا في هذا اليوم، عيد القديس سمعان الصديق القابل الإله، وحنة النبية، هو استمرار للعيد العظيم عيد دخول المسيح إلى الهيكل، هذا العيد كما هو معروف يحتفل به بعد مرور أربعين يوما منذ ميلاد السيد المسيح بالجسد.

ذكرى حدث عيد دخول المسيح الى الهيكل يأتي لكي يؤكد بقوة وبصورة أكيدة سر تجسد كلمة الله . هذا السر الذي كرز به قبلا من قبل الأنبياء من ناحية، وكان مختوما في الكتاب المقدس حسب الناموس من ناحية أخرى.

إن العذراء مريم تأخذ الدور الأول والمركزي في عيد دخول المسيح إلى الهيكل، يليها سمعان الصديق ثانياً, كما بشر به الأنجيلي لوقا.

حسب القانون الناموسي، على الشعب الإسرائيلي أن يكرس الله كما أمر به موسى النبي ” وكلم الرب موسى قائلا: قدس لي كل بكر فاتح ، رحم من بني إسرائيل ومن البهائم” ( خروج 13 : 1-2 ).
هذه الوصية في القانون الناموسي مربوطة ومتعلقة بوصية تطهير المرأة التي وضعت مولودها ، وكذلك بالتقدمة التي كانت فريضة عند دخولهم إلى الهيكل بعد تتميم الأربعين يوماً منذ زمن الولادة (لاويين 12 : 1-4 ).
هذه التقدمة، كما هو مدون : “ومتى كملت أيام التطهير لأجل إبن او إبنة تأتي بخروف حولي محرقة، وفرخ حمام أو يمامة ، ذبيحة خطية إلى باب خيمة الإجتماع إلى الكاهن … وإن لم تنل يدها كفاية لشاة، تأخذ يمامتين، أو فرخي حمام الواحدة م محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر” (لاويين 12: 6-8).

يوسف العفيف خطيب العذراء ، ومريم والدة الإله ، قد تمما ونفذا هذه الوصية، قادمين إلى الهيكل بصحبة الصبي الإلهي يسوع ” ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدا به إلى أورشليم ليقدموه للرب ” (لوقا 2: 22)
دخول الصبي يسوع إلى الهيكل يعلن ويشاهد للملأ ، إذ تم إستقباله بواسطة البار سمعان الصديق الذي قبله ذراعيه . ” أخذه على ذراعيه وبارك (أي مجد )الله وقال : الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام . لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب” (لوقا : 28-31).

(خلاصك) الذي أعده الله الآب أمام جميع الشعوب ، أيها الأخوة الأحباء ما هو إلا مخلص العالم ربنا يسوع المسيح كلمة الله الكامل الذي أفرغ ذاته ، الذي يخلق ويأخذ بداية ، المتجسد في أحشاء العذراء مريم.
(خلاصك) حسبما يقوله القديس باسيليوس الكبير ، وحسب عادة الكتاب المقدس الذي يعلن ويدعو (خلاصك ):هو المسيح الله.
(خلاصك) حيب تعليم القديس أثناسيوس الكبير يتضمن حضور التجسد، أي حقيقة التجسد الإلهي.
هذا هو بالتدقيق سر الحقيقة الخلاصي من خلال التجسد العظيم لكلمة به بواسطةالله القدوس، هذا السر الذي يبشر من خلال الكنيسة الأورشليمية التي تحمل اسم سمعان الصديق حيث ضريحه الكريم ، هذه الكنيسة التي بنيت بواسطة أباطرة الروم الأرثوذكس الورعين.
هذه البشارة والرسالة السارة المكتوبة في ناموس الرب ،أنه : ” أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب ” ( لوقا 2: 22). هذا المعنى مربوط ومتعلق فقط في المسيح المخلص حسب القديس أمفيلوخيوس أسقف إيكونيون ، وليس لآخر غيره. علماً أن فحوى الآية تشير بمضمونها إلى الجميع لكن كما يعلم قديسينا أمفيلوخيوس
أن جميع العذارى يفتح عندهن الرحم من خلال الجماع بين الزوجين، وبعدها يأتي دور الولادة. أما السيد المسيح فهو الوحيد الي ينفرد بوضعيه خاصة إذ هو الذي فتح الرحم البتوي من الداخل لأنه حبل به بواسطة الروح القدس. من هنا يتبين أنه هو الوحيد المدعو قدوس للرب.
مع كل الخبرات الشخصية ، وشهادة سمعان الصديق التي لا تقبل أدنى شك، وكذلك الناحية التاريخية ذات الأسس الصحيحة والقويمة والثابتة ومع كل هذا متى يقول الصديق سمعان : أبصرت عيناي خلاصك ، أي المسيح.

يا أخوتي لا يستطيع العقل البشري أن يفهم كنة وفحوى ومضمون هذا السر حتى خارج المنطق بدون مساهمة قوة الإيمان.
“….وأنما ظهرت المعجزتان للذين يسجدون بإيمانٍ للسر” (القديس يوحنا الدمشقي-الأينوس- اللحن الخامس-المعزي).

أيها الأخوة الأحباء
نستلم نحن أيضاً ترس الإيمان مقتدين بالبار سمعان الشيخ لنصبح مستحقين لإستقبال النور الخلاصي، لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع باليوم الرهيب في دينونته العادلة والمخوفة. آمين

وكل عام وانتم بخير