إفرحوا اليوم وإبتهجوا

في هذا اليوم تفرح الأرض وتتجدد الخليقة، ويُقهر الموت، وانحلت عقالاتً الموتى الأسرى المقيدين منذ الدهر في الجحيم . في هذا اليوم تبزغ أنوار القيامة، فتبدد الظلام، وتسحق أرواح الشرّ . عيد القيامة هو عيد تجديد الحياة، وعيدً الفرح والسرور . في هذا اليوم يهتف كلّ مسيحي أمس قد دًفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك، لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض، وليعيّد العالم كلّ ما يرى وما لا يرى، لأن المسيح، السرور الأبدي قد قام .

في هذا اليوم ننزع عنّا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الخديعة، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ والقداسة . في هذا اليوم نذوق حلاوة المسيح، نأكل ونشرب دمه . “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ” . لنكون معه جميعاً واحداً، وهو في كلّ واحد منا . في هذا اليوم نشارك عصير الكرمة الجديد . نحن جماعة أفخارستية، جماعة يوحّدها سرّ الشكر . نأكل جسد المسيح، ونشرب دمه، ليثبت فينا ونحن نثبت فيه . ألم يقل المسيح : “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا أثبت فيه” .

إنّ عظة الذهبي الفم تعبّر كلّ التعبير عن معنى العيد الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكلّ يوم أحد هو عيد . يقول الذهبي الفم : أدخلوا إذن كلّكم إلى فرح ربنا . أيها الأوّلون والآخرون، تمتّعوا بالجزاء . أيها الأغنياء والفقراء، عيّدوا معاً. أيها الممسكون والمتوانون، كرّموا هذا النهار . أيها الذين صاموا والذين لم يصوموا، إفرحوا اليوم، المائدة حافلةٌ، فتنعموا كلّكم . العجل سمين، فلا يخرج أحد جائعاً، تمتّعوا كلّكم بوفرة الصلاح .

إن الموت الذي استعبد الإنسان منذ سقطة آدم, والذي حرمه من صداقة الله ونعمه، دُحر نهائياً بالقيامة . وهكذا انبلج نورٌ جديدٌ في العالم . هذا النور نفسه الذي انبلج في الميلاد والعماد والتجلي، ينبلج اليوم نورُ حقيقة المصالحة التي تمت بين الله والإنسان وأخيه الإنسان . إنما هذا النور لا يمكن للإنسان أن يدنو منه إلاّ بالإرتداد إلى الله والتوبة والبعد عن الخطيئة . لنطهرن حواسنا، فنعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه .

القيامة هي أيضاً ينبوع فرح وسلام . لتفرح السماوات بحقّ، وتبتهج الأرض . هل في العالم سلام؟ هل في العالم فرح؟ في العالم اليوم ظلم وسفك دماء، وتشريد واغتصاب أرض وبشر وأملاك . لذلك نقف اليوم برعدة وخوف، ونصلي إلى القائم من الموت بذات سلطانه، أن يُنعم على العالم بالسلام لا سيما في هذه الأرض المقدسة، أطفالٌ يعذبون ويجوعون، ونساء تغتصب، وأملاك تُدّمَر . لذا فالمسيح سيبقى معلقاً على خشبة الصليب ما دام في العالم ظلم وانتهاك حرمات . المسيح يصلب مع كلّ متألم ومطرود من أرضه، يتألم مع المبعدين من بيوتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم . ولا يقوم إلاّ متى عاد الحقّ إلى نصابه . ألا قُم يا الله، وأحكم في الأرض, وفي كلّ بقعة منها .

ألا فليشرق يا ربّ نور قيامتك علينا جميعاً، كي نستنير بنور الله وهدايته .

المسيح قام حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير

ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون




إفرحوا اليوم وإبتهجوا

في هذا اليوم تفرح الأرض وتتجدد الخليقة، ويُقهر الموت، وانحلت عقالاتً الموتى الأسرى المقيدين منذ الدهر في الجحيم . في هذا اليوم تبزغ أنوار القيامة، فتبدد الظلام، وتسحق أرواح الشرّ . عيد القيامة هو عيد تجديد الحياة، وعيدً الفرح والسرور . في هذا اليوم يهتف كلّ مسيحي أمس قد دًفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك، لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض، وليعيّد العالم كلّ ما يرى وما لا يرى، لأن المسيح، السرور الأبدي قد قام .

في هذا اليوم ننزع عنّا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الخديعة، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ والقداسة . في هذا اليوم نذوق حلاوة المسيح، نأكل ونشرب دمه . “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ” . لنكون معه جميعاً واحداً، وهو في كلّ واحد منا . في هذا اليوم نشارك عصير الكرمة الجديد . نحن جماعة أفخارستية، جماعة يوحّدها سرّ الشكر . نأكل جسد المسيح، ونشرب دمه، ليثبت فينا ونحن نثبت فيه . ألم يقل المسيح : “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا أثبت فيه” .

إنّ عظة الذهبي الفم تعبّر كلّ التعبير عن معنى العيد الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكلّ يوم أحد هو عيد . يقول الذهبي الفم : أدخلوا إذن كلّكم إلى فرح ربنا . أيها الأوّلون والآخرون، تمتّعوا بالجزاء . أيها الأغنياء والفقراء، عيّدوا معاً. أيها الممسكون والمتوانون، كرّموا هذا النهار . أيها الذين صاموا والذين لم يصوموا، إفرحوا اليوم، المائدة حافلةٌ، فتنعموا كلّكم . العجل سمين، فلا يخرج أحد جائعاً، تمتّعوا كلّكم بوفرة الصلاح .

إن الموت الذي استعبد الإنسان منذ سقطة آدم, والذي حرمه من صداقة الله ونعمه، دُحر نهائياً بالقيامة . وهكذا انبلج نورٌ جديدٌ في العالم . هذا النور نفسه الذي انبلج في الميلاد والعماد والتجلي، ينبلج اليوم نورُ حقيقة المصالحة التي تمت بين الله والإنسان وأخيه الإنسان . إنما هذا النور لا يمكن للإنسان أن يدنو منه إلاّ بالإرتداد إلى الله والتوبة والبعد عن الخطيئة . لنطهرن حواسنا، فنعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه .

القيامة هي أيضاً ينبوع فرح وسلام . لتفرح السماوات بحقّ، وتبتهج الأرض . هل في العالم سلام؟ هل في العالم فرح؟ في العالم اليوم ظلم وسفك دماء، وتشريد واغتصاب أرض وبشر وأملاك . لذلك نقف اليوم برعدة وخوف، ونصلي إلى القائم من الموت بذات سلطانه، أن يُنعم على العالم بالسلام لا سيما في هذه الأرض المقدسة، أطفالٌ يعذبون ويجوعون، ونساء تغتصب، وأملاك تُدّمَر . لذا فالمسيح سيبقى معلقاً على خشبة الصليب ما دام في العالم ظلم وانتهاك حرمات . المسيح يصلب مع كلّ متألم ومطرود من أرضه، يتألم مع المبعدين من بيوتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم . ولا يقوم إلاّ متى عاد الحقّ إلى نصابه . ألا قُم يا الله، وأحكم في الأرض, وفي كلّ بقعة منها .

ألا فليشرق يا ربّ نور قيامتك علينا جميعاً، كي نستنير بنور الله وهدايته .

المسيح قام حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير

ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة




كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد البشارة في الناصرة

“اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي منذ الدهور”

أبناءنا الاحباء بالرب …

اليوم تحتفي كنيستنا ببدء “رأس خلاصنا” . فقد بدأ سر خلاصنا بكامله بواسطة بشارة كلية القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم . ففي بشارة والدة الاله حبل بكلمة الله الكلي القدرة الذي لا يوصف بواسطة الروح القدس في بطن والدة الاله ، كانسان تام بنفس عقلية ومنطقية وجسم تام بجسد وعظام . وصار أعظم سر من أسرار كل الدهور : فالخالق والجابل للكل ، ابن الله وكلمته اتخذ الطبيعة الانسانية المريضة للانسان لكي يخلصها من الخطيئة من جهة ، أي فساد النفس ، والموت من جهة اخرى أعني فساد الجسم . وقد اكتمل عمل خلاصنا بعد صعود المسيح واليوم الخمسيني .

وفي ذلك الحين ، وبفضل التنازل الالهي الاقدس من أن يذكر ومحبة الله التي لا توصف ، توجد طبيعتنا البشرية بكاملها – في شخص يسوع المسيح ، بعد صعوده – على عرش ألوهية الثالوث الاقدس ، ومن هنا انتشرت بالروح القدس كل نعم الثالوث الاقدس المفيدة للمسيحيين بواسطة الاسرار المقدسة، عندما يكون هؤلاء مستعدين لممارسة الفضائل المقدسة . لكن ، لما كان ذلك غير ممكن بدون تأنس كلمة الله ، الذي تجسد من الروح القدس في أحشاء والدة الاله الكلية الطهارة ، حتى اليوم . لانه كما أن الانسان الاول ، آدم ، خلق من الارض وكان ترابياً ، هكذا وجب أن يولد آدم الجديد، يسوع المسيح بواسطة الروح القدس ، حتى لا يرث الوصمة ، نتائج خطيئة الآباء الاجداد .

إن هذا السر هو “السر الذي منذ الدهور” وما قبل الدهور ، لان الثالوث الاقدس سبق وعرف منذ الدهور ، بأن الانسان سيسقط من الفردوس الى الخطيئة ، ولذلك سبق وخطط وعرف منذ الدهور تأنس كلمة الله . لذلك ابتهج الثالوث الاقدس منذ الدهور من أجل الكلية القداسة والدة الاله ، التي بما أنه لديها كمال الارادة وخاصة التواضع، فقد أسبغ الله عليها نعماً كثبرة ، لدرجة فريدة من قبل الله ، كما يظهر من أقوال رئيس الملائكة جبرائيل : “افرحي أيتها المنعم عليها ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء” . إن خلاصنا ليس ببساطة معرفة مشيئة الله بواسطة الكتب المقدسة ، ولا تبريراً خارجياً من قاض ما ، الله – لانه حينئذ لا يلزم ان يصبح الكلمة انساناً – بل هو معمودية طبيعتنا في نعمة الله ، التي تطهر النفس والجسم من رجس الخطيئة والفساد ، كالنار التي تنقي قطعة حديد تحرق من الصدى . هذا ما فعله المسيح بذاته ناشراً نعمة الله المفيدة للطبيعة البشرية من أجل ذاته. لذلك يقول الكتاب المقدس بأنه وجب أن يصير المسيح انساناً في كل شيء مماثلاً للبشر بدون خطايا حتى بذاته يقوم كرئيس كهنة بتضحيته دافعاً طبيعتنا الى الالوهية .

لم يحبل بالعذراء من والديها بلا دنس ، ولم يعلم بذلك أي قديس من قديسي الكنيسة . فان اعترفنا بذلك فاننا نكون بذلك قد قللنا من قداسة الكلية القداسة ، لانه هكذا ستكون قديسة بدون جهادها الشخصي نحو الفضيلة ، فقط بسبب الحبل بلا دنس . لكن نعمة الله نجت والدة الاله من الدنس ما قبل الابوي ، فقط يوم البشارة ، وليس اثناء حبلها . عاشت والدة الله قبل البشارة داخل هيكل سليمان لمدة اثنتي عشرة سنة كناسكة ونالت بعون الله فضائل نادرة . تعلم الكنيسة الارثوذكسية ان جهاد والدة الاله كان هاماً ، حتى انها لم تخطىء أبداً ، وان قداستها هي الان عظيمة ، حتى ولو انتهى الناس الى الهلاك ، لكن قداسة والدة الاله كافية لان تبرهن بان خلق الانسان من الله لم يصر عبثاً .

إن الكنيسة تكرم ، بشكل خاص والدة الاله ، لانه بدونها لكان من غير الممكن تأنس المخلص وخلاصنا وإفتقادنا ، وخاصة تواضعها وطاعتها المطلقة وثقتها بالله ، حسب قولها : “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي بحسب قولك” ، فقد جذبت نعمة الله إليها ووازنت عدم طاعة حواء وكبريائها .

فلنكرم ، اليوم ، والدة الاله كلية الطهارة ، كما هي نبؤة ووصية الكتاب المقدس “لانه منذ الان تطوبني سائر الاجيال” . لو حل النبي موسى حذاءه وسجد للعليقة المشتعلة ، لانه اقتبل لهب الالوهية ، كم بالاحرى سنسجد نحن لوالدة الاله ، طالما اقتبلت هذه في داخلها الاله نفسه ؟ فلنطلب شفاعاتها المقدسة ، التي تقنع الله ، لانه لو كان الرب قد استثنى مشيئته من صلاة النبي موسى ، كم بالاحرى أن يستثنيها من أمه القديسة ، التي هي “مباركة في النساء” ، اعني فوق كل النساء .

ان مدينة الناصرة التي كانت بالاحرى غير هامة كلياً بدون ربطها بالبشارة ، فبفضل والدة الاله اتخذت مكانة خاصة في مشروع العناية الالهية قبل الدهور وبعد ذلك في التاريخ البشري واصبحت للاخلاق شاهداً لحدث البشارة وكل سر التدبير . هذا يمكن ان يمنح أهل الناصرة الاتقياء الامل بان والدة الاله التي وجدت في الناصرة ملجأ من أعداء ابنها يسوع . سترد هذه النعمه الى الرعية المسيحية في الناصرة . فبشفاعاتها المقدسة ايها المسيح الاله ارحمنا وخلصنا ، آمين .




كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد البشارة في الناصرة

“اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي منذ الدهور”

أبناءنا الاحباء بالرب …

اليوم تحتفي كنيستنا ببدء “رأس خلاصنا” . فقد بدأ سر خلاصنا بكامله بواسطة بشارة كلية القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم . ففي بشارة والدة الاله حبل بكلمة الله الكلي القدرة الذي لا يوصف بواسطة الروح القدس في بطن والدة الاله ، كانسان تام بنفس عقلية ومنطقية وجسم تام بجسد وعظام . وصار أعظم سر من أسرار كل الدهور : فالخالق والجابل للكل ، ابن الله وكلمته اتخذ الطبيعة الانسانية المريضة للانسان لكي يخلصها من الخطيئة من جهة ، أي فساد النفس ، والموت من جهة اخرى أعني فساد الجسم . وقد اكتمل عمل خلاصنا بعد صعود المسيح واليوم الخمسيني .

وفي ذلك الحين ، وبفضل التنازل الالهي الاقدس من أن يذكر ومحبة الله التي لا توصف ، توجد طبيعتنا البشرية بكاملها – في شخص يسوع المسيح ، بعد صعوده – على عرش ألوهية الثالوث الاقدس ، ومن هنا انتشرت بالروح القدس كل نعم الثالوث الاقدس المفيدة للمسيحيين بواسطة الاسرار المقدسة، عندما يكون هؤلاء مستعدين لممارسة الفضائل المقدسة . لكن ، لما كان ذلك غير ممكن بدون تأنس كلمة الله ، الذي تجسد من الروح القدس في أحشاء والدة الاله الكلية الطهارة ، حتى اليوم . لانه كما أن الانسان الاول ، آدم ، خلق من الارض وكان ترابياً ، هكذا وجب أن يولد آدم الجديد، يسوع المسيح بواسطة الروح القدس ، حتى لا يرث الوصمة ، نتائج خطيئة الآباء الاجداد .

إن هذا السر هو “السر الذي منذ الدهور” وما قبل الدهور ، لان الثالوث الاقدس سبق وعرف منذ الدهور ، بأن الانسان سيسقط من الفردوس الى الخطيئة ، ولذلك سبق وخطط وعرف منذ الدهور تأنس كلمة الله . لذلك ابتهج الثالوث الاقدس منذ الدهور من أجل الكلية القداسة والدة الاله ، التي بما أنه لديها كمال الارادة وخاصة التواضع، فقد أسبغ الله عليها نعماً كثبرة ، لدرجة فريدة من قبل الله ، كما يظهر من أقوال رئيس الملائكة جبرائيل : “افرحي أيتها المنعم عليها ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء” . إن خلاصنا ليس ببساطة معرفة مشيئة الله بواسطة الكتب المقدسة ، ولا تبريراً خارجياً من قاض ما ، الله – لانه حينئذ لا يلزم ان يصبح الكلمة انساناً – بل هو معمودية طبيعتنا في نعمة الله ، التي تطهر النفس والجسم من رجس الخطيئة والفساد ، كالنار التي تنقي قطعة حديد تحرق من الصدى . هذا ما فعله المسيح بذاته ناشراً نعمة الله المفيدة للطبيعة البشرية من أجل ذاته. لذلك يقول الكتاب المقدس بأنه وجب أن يصير المسيح انساناً في كل شيء مماثلاً للبشر بدون خطايا حتى بذاته يقوم كرئيس كهنة بتضحيته دافعاً طبيعتنا الى الالوهية .

لم يحبل بالعذراء من والديها بلا دنس ، ولم يعلم بذلك أي قديس من قديسي الكنيسة . فان اعترفنا بذلك فاننا نكون بذلك قد قللنا من قداسة الكلية القداسة ، لانه هكذا ستكون قديسة بدون جهادها الشخصي نحو الفضيلة ، فقط بسبب الحبل بلا دنس . لكن نعمة الله نجت والدة الاله من الدنس ما قبل الابوي ، فقط يوم البشارة ، وليس اثناء حبلها . عاشت والدة الله قبل البشارة داخل هيكل سليمان لمدة اثنتي عشرة سنة كناسكة ونالت بعون الله فضائل نادرة . تعلم الكنيسة الارثوذكسية ان جهاد والدة الاله كان هاماً ، حتى انها لم تخطىء أبداً ، وان قداستها هي الان عظيمة ، حتى ولو انتهى الناس الى الهلاك ، لكن قداسة والدة الاله كافية لان تبرهن بان خلق الانسان من الله لم يصر عبثاً .

إن الكنيسة تكرم ، بشكل خاص والدة الاله ، لانه بدونها لكان من غير الممكن تأنس المخلص وخلاصنا وإفتقادنا ، وخاصة تواضعها وطاعتها المطلقة وثقتها بالله ، حسب قولها : “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي بحسب قولك” ، فقد جذبت نعمة الله إليها ووازنت عدم طاعة حواء وكبريائها .

فلنكرم ، اليوم ، والدة الاله كلية الطهارة ، كما هي نبؤة ووصية الكتاب المقدس “لانه منذ الان تطوبني سائر الاجيال” . لو حل النبي موسى حذاءه وسجد للعليقة المشتعلة ، لانه اقتبل لهب الالوهية ، كم بالاحرى سنسجد نحن لوالدة الاله ، طالما اقتبلت هذه في داخلها الاله نفسه ؟ فلنطلب شفاعاتها المقدسة ، التي تقنع الله ، لانه لو كان الرب قد استثنى مشيئته من صلاة النبي موسى ، كم بالاحرى أن يستثنيها من أمه القديسة ، التي هي “مباركة في النساء” ، اعني فوق كل النساء .

ان مدينة الناصرة التي كانت بالاحرى غير هامة كلياً بدون ربطها بالبشارة ، فبفضل والدة الاله اتخذت مكانة خاصة في مشروع العناية الالهية قبل الدهور وبعد ذلك في التاريخ البشري واصبحت للاخلاق شاهداً لحدث البشارة وكل سر التدبير . هذا يمكن ان يمنح أهل الناصرة الاتقياء الامل بان والدة الاله التي وجدت في الناصرة ملجأ من أعداء ابنها يسوع . سترد هذه النعمه الى الرعية المسيحية في الناصرة . فبشفاعاتها المقدسة ايها المسيح الاله ارحمنا وخلصنا ، آمين .

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون




كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث الكلي الطوبى والجزيل الاحترام

ان ميلاد ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح أحدث تغييراً جوهرياً وأساسياً في مسيرة التاريخ الانساني ، ذلك لان الكلمة صار جسداً وحل بيننا ، فدعي الانسان الى حياة جديدة متجددة ملؤها التقديس والنعمة والبركة ومقاومة الشر والتيارات المادية والايديولوجيات الفلسفية التي تتنكر لوجود الله وأهمية الايمان به .

وان كل الايديولوجيات الفلسفية المادية الالحادية نقضت ووجهت عندما تجسد المسيح وأصبح انسانا كاملاً منزهاً عن الفساد متخذاً طبيعة بشرية وهو الاله الذي قبل الدهور .

وفي حديثنا عن الميلاد والتجسد “تجسد الاله الكلمة” نرى بانه يجب أن نبرز الهدف الذي من أجله تم هذا التجسد والذي من أجله تأنس المسيح وولد من أجل خلاصنا ، والهدف في مفهومنا اللاهوتي المسيحي هو أن التجسد تم من أجل أن يتحرر الانسان من كل رباطات الفساد والعبودية والنفاق ، وان تحرر الانسان المنشود من كافة أشكال الخطايا والآثام يمكنه أن يكون عندما يقبل الانسان الدعوة الالهية الموجهة اليه ويشترك بملء ارادته في دعوة المسيح الكلمة الموجهة الى كافة أبناء البشر من أجل حياة جديدة متجددة معه .

ولابد لنا من التنويه أن وجود الانسان في حالة الفساد والخطيئة ليس هذا هو الوضع الطبيعي للانسان الذي يريده الله له أي بكلام آخر الانسان لم يخلق ولم تعطى له نسمة الحياة لكي يكون فاسداً وشريراً وانما أن يكون مصدر بر وقداسة وخير ، وبما أن الله هو الخالق فان مصدر الانسان هو الله ينبوع الحياة وعندما يكون مصدر الانسان الله تبارك وتعالى حينئذ تكون هذه الخليقة مباركة ومدعوة الى الكمال والتقديس .

ولكن ويا للاسف فان الانسان سقط بمحض ارادته وجعل من نفسه عرضةً للفساد والاثم والوقوع بالخطيئة وهذا يعني أن الانسان سقط بمحض ارادته وبحريته الكاملة اذ انه لم يسمع كلام الله وتصرف بانانية وعجرفة وغرور .

الى ان جاء ميلاد المسيح فتقدس الزمان والمكان ودعي الانسان الخاطئ الى النهوض من كبوته وانتشاله من ادران الخطيئة والموت وتأهيله لنيل نعم الملكوت والخلاص ، فما أعظم تدبير الله الذي اراد الا يبقى الانسان في حالة السقوط وقد جاء ميلاد المسيح من العذراء البتول النقية مريم فتاة ناصرة الجليل لكي يكون بداية عهد جديد للانسانية المعذبة .

وبعد الميلاد تأتي معمودية المسيح وهو العيد الذي نسميه بالظهور الالهي أو عيد الغطاس وقد تمت هذه المعمودية من يوحنا السابق في نهر الاردن في مكان نعرفه تاريخياً يذكرنا بهذا الحدث العظيم ، والحديث عن معمودية المسيح يقودنا الى ابراز بعدان هامان في هذا الحدث الهام الاول هو انه عندما تعمد يسوع في نهر الاردن ظهر الاله المثلث الاقانيم الاب والابن والروح القدس فالاب سمع صوته من السماء يقول : هذا هو ابني الحبيب ، والابن كان في الماء مقتبلا المعمودية من يوحنا والروح القدس كان نازلاً على هيئة حمامة ، لذلك وبحق يسمى هذا العيد بالظهور الالهي لانه ظهور لالهنا المثلث الاقانيم ، اما البعد الثاني فهو الهدف من هذه المعمودية اذ اراد المسيح وهو المنزه عن الفساد من حيث طبيعته البشرية اراد ان يقول للانسان بان نقائك من الخطيئة ومن ادرانها وامراضها يتم بواسطة المعمودية والمعمودية فيها عناصر طبيعية كالماء مثلا الذي في نهر الاردن ولكن فعالية التنقية التي للثالوث الاقدس هي تقدس الطبيعة وما فيها وتبارك الطبيعة الانسانية لان ما يتقدس في الانسان بالمعمودية هو الجسد والروح ففي العماد يتقدس الماء ويتحول بنعمة الله اداة للتطهير والتنقية .

لقد اقتبل المسيح المعمودية لكي يرسم لنا بواسطتها طريق الخلاص ولكي يوضح لنا الاساليب التي يجب ان تتبعها وتطبقها الكنيسة من أجل خلاص الانسانية هذا الخلاص الذي طريقه الاوحد يتمثل بالايمان بالرب يسوع المسيح والسير على هديه وفق تعاليمه السامية .

وكنيسة المسيح لم تخترع أشياء لكي تمارسها ولكنها استلمت الوديعة فحافظة عليها وممارستها لسر المعمودية جائت تطبيقاً للكلام الالهي اذ ان ظهور الاله المثلث الاقانيم للعالم ابرز لنا الطريقة التي بواسطتها يمكن ان يتم خلاصنا وتقديسنا والكنيسة تحافظ بكل امانة على تقاليدها المقدسة الشريفة التي مصدرها ليس البشر وانما الله المثلث الاقانيم ، والكنيسة تعتقد بان اشتراكنا وتفاعلنا في اسرارها هو الذي يؤلهنا ويرفعنا الى العلى .

ان انساننا اليوم عندما يقتبل المعمودية المقدسة والميرون المقدس انما تنسكب عليه نعم الروح القدس بغزارة والروح القدوس هو روح المسيح الرب ، ولكي نفهم معنى المعمودية في حياتنا وفي ولوجنا من مرحلة الموت والخطيئة الى مرحلة الخلاص لابد لنا ان نتأمل بايمان وخشوع عميقين ظهور الرب على المياه وهو ظهور هادف للتقديس والبركة والنعمة .

وبعد معمودية المسيح تأتي عظاته وكلماته الخالدات والتعليم المسيحي الذي ارسى قواعده وكذلك معجزاته التي تدل على حنانه ورأفته بالانسانية ويأتي بعدئذ صعوده الى السماء وبعد الصعود الالهي وتحديدا في يوم العنصرة الخمسيني انسكبت نعمة الروح القدس على التلاميذ والرسل الاطهار في يوم يوصف بانه يوم ميلاد الكنيسة وهذه النعمة التي انسكبت في اليوم الخمسين هي ختم موهبة الروح القدس الموجودة في كنيسة الرب وهي النعمة والبركة التي نأخذها عندما نتمم سر المعمودية المقدسة وبهذا السر ندخل الى عضوية الكنيسة فنكون اعضاء كاملين في جسد الكنيسة الذي هو جسد المسيح .

ان المعمودية المقدسة شرط اساسي للدخول الى احضان الكنيسة وهي البيعة المقدسة التي اختارها المسيح له والتنقية هي من ثمار الروح القدس فبالمعمودية نتنقى وتزول عنا اثار الخطيئة الجدية وتداعياها كما ان الروح القدس حاضر بغزارة في كافة الاسرار المقدسة ومنها الميرون ، الشكر الالهي ، التوبة وغيرها ، وهذه الاسرار هي ادوات للنهوض بهذا العالم من الفساد والخطيئة .

في الكنيسة الاولى كان عيد الميلاد وعيد الظهور الالهي عيداً واحداً لماذا؟ لانه في كلتا الحالتين هنالك ظهور للمسيح الاول في مذود المغارة والثاني في نهر الاردن ، وظهور المسيح في الطبيعة انما يهدف الى تقديسها وانتشالها من الموت المحدق بها .
وفي هذا الموسم الشريف الذي نمر به نرفع الدعاء الى الله طالبين بان تنسكب نعمه الالهية وبركات الثالوث القدوس في هذا العالم لان الله هو نور الحق ونور المحبة ونور الحرية وبه تستنير الخليقة باسرها وما نتمناه بنوع خاص هو ان ينير الله قلوب وعقول وضمائر كافة الحكام الذين يوجهون مصائر الشعوب والامم لكي يقودوا هذا العالم الى المحبة والعدل والسلام لان الهنا هو اله العدل والمحبة والسلام وهو محب للبشر ويريد خلاص كل ابناء البشر لان الانسان مخلوق على صورة الله ومثاله .

وكل عام وأنتم بخير وأعياد مجيدة ملؤها المحبة والسلام والخير .

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون