ثيوفيلوس الثالث برحمته تعالى بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين

إلى كافة أعضاء الكنيسة نعمةً ، ورحمةً وسلاماً
من قبر المسيح القائم من بين الأموات المقدس والقابل الحياة

“إن وقعت حبة الحنطة في الأرض وماتت تأتي بثمرٍ كثيرٍ”
(يوحنا 24:12)

اليوم يوم القيامة البهيج الميمون ، تمّ فيه تجديد جنسنا بواسطة قيامة الرب ، ومُنحنا الخلود ، اللانهاية ، ومنظر الثالوث الأقدس صانع الحياة ، الذي جُبل به الإنسان أولاً ، والذي سقط من هدفه مخدوعاً من الشيطان رئيس الشر ، وهارباً إلى موت النفس والجسد . يفرح الأبرار قائمين ثانية من مخبأ الجحيم الحالك السواد ، الناتج عن الإنفصال من النور الإلهي، “وكان ينظر إلى المجازاة التي كان يتطلع إليها، آتياً ليرى وجه الله” .

لكن الأحياء والأموات والخليقة بأسرها يعيدون مبتهجين لقيامة ربنا الإله الإنسان من الأموات . فلقد إمتلأ كل شيءٍ فرحاً ، لأنه أخذ تجربة القيامة وإعادة خلق كل شيء قد أُختزن بالمسيح . أما الأتقياء فإنهم يشتركون بهذا جزئياً في تذوقهم إن اشتركوا في جسد المسيح السري عن استحقاق . هوذا سر الحياة بالمسيح الذي لا يدرك . “إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة” (كورنتوس الأول 17:5) . سبق وتذوق الخلود بواسطة جسد ودم المسيح المعطي الحياة عاكساً صورة مجد المسيح بواسطة تطهير مرآة نفسه ، أثناء عمله في كرم الفضائل السري . وبينما كان “الموت رهيباً للإنسان” قبل القيامة ، أصبح “الإنسان مخيفاً للموت” بعد القيامة ، لابساً درع الله ، الحياة الأبدية ، ومتسربلاً سرياً بالمسيح ذاته المنتصر على الموت” (غلاطية 27:3) .

وقليلاً أيضاً تزمع الخليقة أن تتمخض وتتألم ، وملكها المخلوع ، أي الإنسان تحت عنف موت النفس والجسد حتى يخضع كل شيء لله ، الذي “هربت من وجهه السماء والأرض” (رؤيا يوحنا اللاهوتي 11:20) غير جالبة مجده الذي لا يحارب ولا يفسد في مجيئه الثاني المجيد ، حتى يسترد الإنسان مثل الله المتألم في التجلي التام بالمسيح ، في تجديد العالم . حقاً إن الثمر الكثير المعطى إلى الله بواسطة قيامة المسيح المخلص التي حققها إلهنا الثالوث الأقدس والتي بواسطتها كان يهتم بالحياة الأبدية للإنسانية الضالة .

“إذ قام المسيح من بين الأموات لا يموت أيضاً ، ولا يسود عليه الموت بعد”. هكذا أتباعه الأطهار إذ يموتون كل يوم بالجسد ، ويصلبون من التجارب الخارجية ، ويحاربون من الآلام الداخلية ، يصبحون منتصرين على الخطيئة والفساد الحامل الموت ، بواسطة قوة المصلوب طوعاً والمسيح القائم بذات سلطته، والذي يقيم من الخطيئة المصلوبين لأجله ، كي ” ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبهم” (بطرس الثانية 19:1) . كثيرون هم أعداؤه ، ومحاربو قيامته غير متصالحين مع الرمس الخالي ، المفترون على آدم الجديد والمشككون بقيامته. لكن محبة القائم ستنتصر على كل هؤلاء مانحة الطبيعة البشرية بواسطة القيامة رحمة عظمى وفيما بعد ملكوت الله .

إن كنيسة صهيون المقدسة ، مسكن الله ، والقابلة الأولى لمغفرة الخطايا ورسالة القيامة ، تعيش بلا انقطاع بالفرح القيامي الصليبي النابع من القبر قابل الحياة، تُمجد المصلوب لأجلنا ويسوع المسيح القائم بمجد ، مستمدة قوة من الرمس الخالي ومعترفة من أجل قوته إلى زوار القبر المقدس ، ستحل ظلام الباطل العالمي والظلال وظلام ناشري الأرواح الشريرة ، وستقوي المسيح إلى الحقيقة الوحيدة والمتعبين بعيداً عنه وستقوي الجميع في طريق التسامح والمحبة نحوه ونحو القريب .

المسيح قام

ولتشملكم أدعيتنا الأبوية وبركاتنا البطريركية

الداعي لكم بالرب

ثيوفيلوس الثالث

بطريرك المدينة المقدسة

المدينة المقدسة : الفصح المقدس لسنة 2006

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون




إفرحوا اليوم وإبتهجوا

في هذا اليوم تفرح الأرض وتتجدد الخليقة، ويُقهر الموت، وانحلت عقالاتً الموتى الأسرى المقيدين منذ الدهر في الجحيم . في هذا اليوم تبزغ أنوار القيامة، فتبدد الظلام، وتسحق أرواح الشرّ . عيد القيامة هو عيد تجديد الحياة، وعيدً الفرح والسرور . في هذا اليوم يهتف كلّ مسيحي أمس قد دًفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك، لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض، وليعيّد العالم كلّ ما يرى وما لا يرى، لأن المسيح، السرور الأبدي قد قام .

في هذا اليوم ننزع عنّا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الخديعة، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ والقداسة . في هذا اليوم نذوق حلاوة المسيح، نأكل ونشرب دمه . “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ” . لنكون معه جميعاً واحداً، وهو في كلّ واحد منا . في هذا اليوم نشارك عصير الكرمة الجديد . نحن جماعة أفخارستية، جماعة يوحّدها سرّ الشكر . نأكل جسد المسيح، ونشرب دمه، ليثبت فينا ونحن نثبت فيه . ألم يقل المسيح : “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا أثبت فيه” .

إنّ عظة الذهبي الفم تعبّر كلّ التعبير عن معنى العيد الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكلّ يوم أحد هو عيد . يقول الذهبي الفم : أدخلوا إذن كلّكم إلى فرح ربنا . أيها الأوّلون والآخرون، تمتّعوا بالجزاء . أيها الأغنياء والفقراء، عيّدوا معاً. أيها الممسكون والمتوانون، كرّموا هذا النهار . أيها الذين صاموا والذين لم يصوموا، إفرحوا اليوم، المائدة حافلةٌ، فتنعموا كلّكم . العجل سمين، فلا يخرج أحد جائعاً، تمتّعوا كلّكم بوفرة الصلاح .

إن الموت الذي استعبد الإنسان منذ سقطة آدم, والذي حرمه من صداقة الله ونعمه، دُحر نهائياً بالقيامة . وهكذا انبلج نورٌ جديدٌ في العالم . هذا النور نفسه الذي انبلج في الميلاد والعماد والتجلي، ينبلج اليوم نورُ حقيقة المصالحة التي تمت بين الله والإنسان وأخيه الإنسان . إنما هذا النور لا يمكن للإنسان أن يدنو منه إلاّ بالإرتداد إلى الله والتوبة والبعد عن الخطيئة . لنطهرن حواسنا، فنعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه .

القيامة هي أيضاً ينبوع فرح وسلام . لتفرح السماوات بحقّ، وتبتهج الأرض . هل في العالم سلام؟ هل في العالم فرح؟ في العالم اليوم ظلم وسفك دماء، وتشريد واغتصاب أرض وبشر وأملاك . لذلك نقف اليوم برعدة وخوف، ونصلي إلى القائم من الموت بذات سلطانه، أن يُنعم على العالم بالسلام لا سيما في هذه الأرض المقدسة، أطفالٌ يعذبون ويجوعون، ونساء تغتصب، وأملاك تُدّمَر . لذا فالمسيح سيبقى معلقاً على خشبة الصليب ما دام في العالم ظلم وانتهاك حرمات . المسيح يصلب مع كلّ متألم ومطرود من أرضه، يتألم مع المبعدين من بيوتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم . ولا يقوم إلاّ متى عاد الحقّ إلى نصابه . ألا قُم يا الله، وأحكم في الأرض, وفي كلّ بقعة منها .

ألا فليشرق يا ربّ نور قيامتك علينا جميعاً، كي نستنير بنور الله وهدايته .

المسيح قام حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير

ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون




إفرحوا اليوم وإبتهجوا

في هذا اليوم تفرح الأرض وتتجدد الخليقة، ويُقهر الموت، وانحلت عقالاتً الموتى الأسرى المقيدين منذ الدهر في الجحيم . في هذا اليوم تبزغ أنوار القيامة، فتبدد الظلام، وتسحق أرواح الشرّ . عيد القيامة هو عيد تجديد الحياة، وعيدً الفرح والسرور . في هذا اليوم يهتف كلّ مسيحي أمس قد دًفنت معك، واليوم أنهض معك بقيامتك، لتفرح السماوات، ولتبتهج الأرض، وليعيّد العالم كلّ ما يرى وما لا يرى، لأن المسيح، السرور الأبدي قد قام .

في هذا اليوم ننزع عنّا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الخديعة، ونلبس الإنسان الجديد الذي خلق على مثال الله في البرّ والقداسة . في هذا اليوم نذوق حلاوة المسيح، نأكل ونشرب دمه . “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرّبّ” . لنكون معه جميعاً واحداً، وهو في كلّ واحد منا . في هذا اليوم نشارك عصير الكرمة الجديد . نحن جماعة أفخارستية، جماعة يوحّدها سرّ الشكر . نأكل جسد المسيح، ونشرب دمه، ليثبت فينا ونحن نثبت فيه . ألم يقل المسيح : “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا أثبت فيه” .

إنّ عظة الذهبي الفم تعبّر كلّ التعبير عن معنى العيد الذي هو عيد الأعياد وموسم المواسم، وكلّ يوم أحد هو عيد . يقول الذهبي الفم : أدخلوا إذن كلّكم إلى فرح ربنا . أيها الأوّلون والآخرون، تمتّعوا بالجزاء . أيها الأغنياء والفقراء، عيّدوا معاً. أيها الممسكون والمتوانون، كرّموا هذا النهار . أيها الذين صاموا والذين لم يصوموا، إفرحوا اليوم، المائدة حافلةٌ، فتنعموا كلّكم . العجل سمين، فلا يخرج أحد جائعاً، تمتّعوا كلّكم بوفرة الصلاح .

إن الموت الذي استعبد الإنسان منذ سقطة آدم, والذي حرمه من صداقة الله ونعمه، دُحر نهائياً بالقيامة . وهكذا انبلج نورٌ جديدٌ في العالم . هذا النور نفسه الذي انبلج في الميلاد والعماد والتجلي، ينبلج اليوم نورُ حقيقة المصالحة التي تمت بين الله والإنسان وأخيه الإنسان . إنما هذا النور لا يمكن للإنسان أن يدنو منه إلاّ بالإرتداد إلى الله والتوبة والبعد عن الخطيئة . لنطهرن حواسنا، فنعاين المسيح ساطعاً كالبرق بنور القيامة الذي لا يدنى منه .

القيامة هي أيضاً ينبوع فرح وسلام . لتفرح السماوات بحقّ، وتبتهج الأرض . هل في العالم سلام؟ هل في العالم فرح؟ في العالم اليوم ظلم وسفك دماء، وتشريد واغتصاب أرض وبشر وأملاك . لذلك نقف اليوم برعدة وخوف، ونصلي إلى القائم من الموت بذات سلطانه، أن يُنعم على العالم بالسلام لا سيما في هذه الأرض المقدسة، أطفالٌ يعذبون ويجوعون، ونساء تغتصب، وأملاك تُدّمَر . لذا فالمسيح سيبقى معلقاً على خشبة الصليب ما دام في العالم ظلم وانتهاك حرمات . المسيح يصلب مع كلّ متألم ومطرود من أرضه، يتألم مع المبعدين من بيوتهم وأرضهم ومدنهم وقراهم . ولا يقوم إلاّ متى عاد الحقّ إلى نصابه . ألا قُم يا الله، وأحكم في الأرض, وفي كلّ بقعة منها .

ألا فليشرق يا ربّ نور قيامتك علينا جميعاً، كي نستنير بنور الله وهدايته .

المسيح قام حقاً قام

وكل عام وأنتم بخير

ثيوفيلوس الثالث
بطريرك المدينة المقدسة




كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد البشارة في الناصرة

“اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي منذ الدهور”

أبناءنا الاحباء بالرب …

اليوم تحتفي كنيستنا ببدء “رأس خلاصنا” . فقد بدأ سر خلاصنا بكامله بواسطة بشارة كلية القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم . ففي بشارة والدة الاله حبل بكلمة الله الكلي القدرة الذي لا يوصف بواسطة الروح القدس في بطن والدة الاله ، كانسان تام بنفس عقلية ومنطقية وجسم تام بجسد وعظام . وصار أعظم سر من أسرار كل الدهور : فالخالق والجابل للكل ، ابن الله وكلمته اتخذ الطبيعة الانسانية المريضة للانسان لكي يخلصها من الخطيئة من جهة ، أي فساد النفس ، والموت من جهة اخرى أعني فساد الجسم . وقد اكتمل عمل خلاصنا بعد صعود المسيح واليوم الخمسيني .

وفي ذلك الحين ، وبفضل التنازل الالهي الاقدس من أن يذكر ومحبة الله التي لا توصف ، توجد طبيعتنا البشرية بكاملها – في شخص يسوع المسيح ، بعد صعوده – على عرش ألوهية الثالوث الاقدس ، ومن هنا انتشرت بالروح القدس كل نعم الثالوث الاقدس المفيدة للمسيحيين بواسطة الاسرار المقدسة، عندما يكون هؤلاء مستعدين لممارسة الفضائل المقدسة . لكن ، لما كان ذلك غير ممكن بدون تأنس كلمة الله ، الذي تجسد من الروح القدس في أحشاء والدة الاله الكلية الطهارة ، حتى اليوم . لانه كما أن الانسان الاول ، آدم ، خلق من الارض وكان ترابياً ، هكذا وجب أن يولد آدم الجديد، يسوع المسيح بواسطة الروح القدس ، حتى لا يرث الوصمة ، نتائج خطيئة الآباء الاجداد .

إن هذا السر هو “السر الذي منذ الدهور” وما قبل الدهور ، لان الثالوث الاقدس سبق وعرف منذ الدهور ، بأن الانسان سيسقط من الفردوس الى الخطيئة ، ولذلك سبق وخطط وعرف منذ الدهور تأنس كلمة الله . لذلك ابتهج الثالوث الاقدس منذ الدهور من أجل الكلية القداسة والدة الاله ، التي بما أنه لديها كمال الارادة وخاصة التواضع، فقد أسبغ الله عليها نعماً كثبرة ، لدرجة فريدة من قبل الله ، كما يظهر من أقوال رئيس الملائكة جبرائيل : “افرحي أيتها المنعم عليها ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء” . إن خلاصنا ليس ببساطة معرفة مشيئة الله بواسطة الكتب المقدسة ، ولا تبريراً خارجياً من قاض ما ، الله – لانه حينئذ لا يلزم ان يصبح الكلمة انساناً – بل هو معمودية طبيعتنا في نعمة الله ، التي تطهر النفس والجسم من رجس الخطيئة والفساد ، كالنار التي تنقي قطعة حديد تحرق من الصدى . هذا ما فعله المسيح بذاته ناشراً نعمة الله المفيدة للطبيعة البشرية من أجل ذاته. لذلك يقول الكتاب المقدس بأنه وجب أن يصير المسيح انساناً في كل شيء مماثلاً للبشر بدون خطايا حتى بذاته يقوم كرئيس كهنة بتضحيته دافعاً طبيعتنا الى الالوهية .

لم يحبل بالعذراء من والديها بلا دنس ، ولم يعلم بذلك أي قديس من قديسي الكنيسة . فان اعترفنا بذلك فاننا نكون بذلك قد قللنا من قداسة الكلية القداسة ، لانه هكذا ستكون قديسة بدون جهادها الشخصي نحو الفضيلة ، فقط بسبب الحبل بلا دنس . لكن نعمة الله نجت والدة الاله من الدنس ما قبل الابوي ، فقط يوم البشارة ، وليس اثناء حبلها . عاشت والدة الله قبل البشارة داخل هيكل سليمان لمدة اثنتي عشرة سنة كناسكة ونالت بعون الله فضائل نادرة . تعلم الكنيسة الارثوذكسية ان جهاد والدة الاله كان هاماً ، حتى انها لم تخطىء أبداً ، وان قداستها هي الان عظيمة ، حتى ولو انتهى الناس الى الهلاك ، لكن قداسة والدة الاله كافية لان تبرهن بان خلق الانسان من الله لم يصر عبثاً .

إن الكنيسة تكرم ، بشكل خاص والدة الاله ، لانه بدونها لكان من غير الممكن تأنس المخلص وخلاصنا وإفتقادنا ، وخاصة تواضعها وطاعتها المطلقة وثقتها بالله ، حسب قولها : “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي بحسب قولك” ، فقد جذبت نعمة الله إليها ووازنت عدم طاعة حواء وكبريائها .

فلنكرم ، اليوم ، والدة الاله كلية الطهارة ، كما هي نبؤة ووصية الكتاب المقدس “لانه منذ الان تطوبني سائر الاجيال” . لو حل النبي موسى حذاءه وسجد للعليقة المشتعلة ، لانه اقتبل لهب الالوهية ، كم بالاحرى سنسجد نحن لوالدة الاله ، طالما اقتبلت هذه في داخلها الاله نفسه ؟ فلنطلب شفاعاتها المقدسة ، التي تقنع الله ، لانه لو كان الرب قد استثنى مشيئته من صلاة النبي موسى ، كم بالاحرى أن يستثنيها من أمه القديسة ، التي هي “مباركة في النساء” ، اعني فوق كل النساء .

ان مدينة الناصرة التي كانت بالاحرى غير هامة كلياً بدون ربطها بالبشارة ، فبفضل والدة الاله اتخذت مكانة خاصة في مشروع العناية الالهية قبل الدهور وبعد ذلك في التاريخ البشري واصبحت للاخلاق شاهداً لحدث البشارة وكل سر التدبير . هذا يمكن ان يمنح أهل الناصرة الاتقياء الامل بان والدة الاله التي وجدت في الناصرة ملجأ من أعداء ابنها يسوع . سترد هذه النعمه الى الرعية المسيحية في الناصرة . فبشفاعاتها المقدسة ايها المسيح الاله ارحمنا وخلصنا ، آمين .




كلمة صاحب الغبطة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد البشارة في الناصرة

“اليوم رأس خلاصنا وظهور السر الذي منذ الدهور”

أبناءنا الاحباء بالرب …

اليوم تحتفي كنيستنا ببدء “رأس خلاصنا” . فقد بدأ سر خلاصنا بكامله بواسطة بشارة كلية القداسة سيدتنا والدة الاله الدائمة البتولية مريم . ففي بشارة والدة الاله حبل بكلمة الله الكلي القدرة الذي لا يوصف بواسطة الروح القدس في بطن والدة الاله ، كانسان تام بنفس عقلية ومنطقية وجسم تام بجسد وعظام . وصار أعظم سر من أسرار كل الدهور : فالخالق والجابل للكل ، ابن الله وكلمته اتخذ الطبيعة الانسانية المريضة للانسان لكي يخلصها من الخطيئة من جهة ، أي فساد النفس ، والموت من جهة اخرى أعني فساد الجسم . وقد اكتمل عمل خلاصنا بعد صعود المسيح واليوم الخمسيني .

وفي ذلك الحين ، وبفضل التنازل الالهي الاقدس من أن يذكر ومحبة الله التي لا توصف ، توجد طبيعتنا البشرية بكاملها – في شخص يسوع المسيح ، بعد صعوده – على عرش ألوهية الثالوث الاقدس ، ومن هنا انتشرت بالروح القدس كل نعم الثالوث الاقدس المفيدة للمسيحيين بواسطة الاسرار المقدسة، عندما يكون هؤلاء مستعدين لممارسة الفضائل المقدسة . لكن ، لما كان ذلك غير ممكن بدون تأنس كلمة الله ، الذي تجسد من الروح القدس في أحشاء والدة الاله الكلية الطهارة ، حتى اليوم . لانه كما أن الانسان الاول ، آدم ، خلق من الارض وكان ترابياً ، هكذا وجب أن يولد آدم الجديد، يسوع المسيح بواسطة الروح القدس ، حتى لا يرث الوصمة ، نتائج خطيئة الآباء الاجداد .

إن هذا السر هو “السر الذي منذ الدهور” وما قبل الدهور ، لان الثالوث الاقدس سبق وعرف منذ الدهور ، بأن الانسان سيسقط من الفردوس الى الخطيئة ، ولذلك سبق وخطط وعرف منذ الدهور تأنس كلمة الله . لذلك ابتهج الثالوث الاقدس منذ الدهور من أجل الكلية القداسة والدة الاله ، التي بما أنه لديها كمال الارادة وخاصة التواضع، فقد أسبغ الله عليها نعماً كثبرة ، لدرجة فريدة من قبل الله ، كما يظهر من أقوال رئيس الملائكة جبرائيل : “افرحي أيتها المنعم عليها ، الرب معك ، مباركة أنت في النساء” . إن خلاصنا ليس ببساطة معرفة مشيئة الله بواسطة الكتب المقدسة ، ولا تبريراً خارجياً من قاض ما ، الله – لانه حينئذ لا يلزم ان يصبح الكلمة انساناً – بل هو معمودية طبيعتنا في نعمة الله ، التي تطهر النفس والجسم من رجس الخطيئة والفساد ، كالنار التي تنقي قطعة حديد تحرق من الصدى . هذا ما فعله المسيح بذاته ناشراً نعمة الله المفيدة للطبيعة البشرية من أجل ذاته. لذلك يقول الكتاب المقدس بأنه وجب أن يصير المسيح انساناً في كل شيء مماثلاً للبشر بدون خطايا حتى بذاته يقوم كرئيس كهنة بتضحيته دافعاً طبيعتنا الى الالوهية .

لم يحبل بالعذراء من والديها بلا دنس ، ولم يعلم بذلك أي قديس من قديسي الكنيسة . فان اعترفنا بذلك فاننا نكون بذلك قد قللنا من قداسة الكلية القداسة ، لانه هكذا ستكون قديسة بدون جهادها الشخصي نحو الفضيلة ، فقط بسبب الحبل بلا دنس . لكن نعمة الله نجت والدة الاله من الدنس ما قبل الابوي ، فقط يوم البشارة ، وليس اثناء حبلها . عاشت والدة الله قبل البشارة داخل هيكل سليمان لمدة اثنتي عشرة سنة كناسكة ونالت بعون الله فضائل نادرة . تعلم الكنيسة الارثوذكسية ان جهاد والدة الاله كان هاماً ، حتى انها لم تخطىء أبداً ، وان قداستها هي الان عظيمة ، حتى ولو انتهى الناس الى الهلاك ، لكن قداسة والدة الاله كافية لان تبرهن بان خلق الانسان من الله لم يصر عبثاً .

إن الكنيسة تكرم ، بشكل خاص والدة الاله ، لانه بدونها لكان من غير الممكن تأنس المخلص وخلاصنا وإفتقادنا ، وخاصة تواضعها وطاعتها المطلقة وثقتها بالله ، حسب قولها : “هوذا أنا أمة الرب ليكن لي بحسب قولك” ، فقد جذبت نعمة الله إليها ووازنت عدم طاعة حواء وكبريائها .

فلنكرم ، اليوم ، والدة الاله كلية الطهارة ، كما هي نبؤة ووصية الكتاب المقدس “لانه منذ الان تطوبني سائر الاجيال” . لو حل النبي موسى حذاءه وسجد للعليقة المشتعلة ، لانه اقتبل لهب الالوهية ، كم بالاحرى سنسجد نحن لوالدة الاله ، طالما اقتبلت هذه في داخلها الاله نفسه ؟ فلنطلب شفاعاتها المقدسة ، التي تقنع الله ، لانه لو كان الرب قد استثنى مشيئته من صلاة النبي موسى ، كم بالاحرى أن يستثنيها من أمه القديسة ، التي هي “مباركة في النساء” ، اعني فوق كل النساء .

ان مدينة الناصرة التي كانت بالاحرى غير هامة كلياً بدون ربطها بالبشارة ، فبفضل والدة الاله اتخذت مكانة خاصة في مشروع العناية الالهية قبل الدهور وبعد ذلك في التاريخ البشري واصبحت للاخلاق شاهداً لحدث البشارة وكل سر التدبير . هذا يمكن ان يمنح أهل الناصرة الاتقياء الامل بان والدة الاله التي وجدت في الناصرة ملجأ من أعداء ابنها يسوع . سترد هذه النعمه الى الرعية المسيحية في الناصرة . فبشفاعاتها المقدسة ايها المسيح الاله ارحمنا وخلصنا ، آمين .

مكتب السكرتارية العام – بطريركية الروم الأرثوذكسية
نشر في الموقع على يد شادي خشيبون