كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس أبينا البار أونوفريوس
تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.
اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيف.(متى 11 : 28-30) يقول الرب.
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح ،
أيها الزوار المسيحيون الأتقياء،
إن متوطن البرية و الصائر ملاكاً بالجسد وصانعاً للعجائب أبينا البار أنوفريوس قد جمعنا كلنا اليوم في هذا الدير المقدس الذي يحمل اسمه ،في هذا الموضع المقدس”حقل الفَخِّاري” (متى 27: 10) لكي نحتفل مُعيدين لتذكاره المقدس .
لقد سَمِعَ القديس أنوفريوس الأقوال الربانية ” تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” ،فأصبح في حياته مشابهاً للقديس إيليا النبي والقديس النبي السابق يوحنا المعمدان ،فغادر دير الشركة متوجهاً إلى الصحراء مجاهداً على امتداد ستين سنةٍ لم يرى فيها إنساناً كما يقول السنكسار .
و هذا ما صنعهُ أبينا البار أنوفريوس متماً قَول الرب بالأعمال :” تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ” (مرقس 12: 30-31).
إن محبة أبينا البار أنوفريوس الكاملة وغير المرائية لله قد أوضحته “إناءً ومقراً للثالوث القدوس” كما يقول مرتل الكنيسة :” لقد تشرَّبت في قلبك النور العقلي السماوي يا أنوفريوس المغبوط فأصبحت مقراً للثالوث القدوس الطاهر .والآن فقد أُحصيتَ مع الملائكة تهتف :هللويا”
وأيضاً “لقد اتحدت نفسك بالله، بمحبتك به أيها المثلث الغبطة،فشاركت ملكوته و حصلت على الخيرات السماوية و نهر الحياة حيث لحن المعيدين البهي في الفرح السرمدي”
حقاً أيها الأخوة إن بشارة إنجيل ربنا و مخلصنا يسوع المسيح الخلاصية قد تأسست على الوصية الإلهية وهي “َتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ” (مرقس 12: 30-31).
ولماذا نقول هذا ؟ لأنه بحسب شهادة القديس يوحنا الانجيلي “اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ.”(1 يو 4: 16 )
ويوضح القديس الرسول بولس الإلهي عن عظمة المحبة ، بإن المحبة أعظم من الرجاء و من الإيمان ” الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ.(1 كور13: 13)
و أيضاً يقول “إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ”(1 كور13 : 1 )
و أيضاً بحسب القديس يوحنا الإنجيلي” لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”.(يو3 : 16 )
لهذا نصنع اليوم تذكار أبينا البار أونوفريوس الناسك ،متوطن البرية، فمن جهةٍ نحن نُمجد الذي مجّدَه و قدّسه أي الله الآب و من جهةٍ أخرى شهادةً في العالم و برهانٍ لمحبةِ المسيح الإله لنا كأعضاءٍ في جسد المسيح اي الكنيسة .
و بكلامٍ آخر فإن الذكرى المقدسة لأبينا البار القديس أونوفريوس و القديس أبينا البار بطرس الذي في جبل آثوس تُبشرنا نحن و اخوتنا في الطبيعة البشرية عن سر التدبير الإلهي الذي لا يسبر غوره أي محبة الله ومخلصنا يسوع المسيح للبشر اللامتناهية لخلاص العالم.
و كما يقول المرنم “إن كلمة الله من الله، الحكمة غير الموصوف ، الذي جاء ليجدد آدم (اي الطبيعة البشرية) الذي سقط بواسطة الأكل،قد أخذ (كلمة الله)من العذراء جسداً لأجلنا لكي بروحٍ و احدة نسبحه معظمين ”
ختاماً أتضرع الى واهب الخير مخلصنا يسوع المسيح بشفاعات أبينا البار القديس أونوفريوس ان نرث الملكوت السماوي.
آمين