كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث في مدينة المفرق في المملكة الأردنية الهاشمية 13-11-2016
يهتف مرنم الكنيسة قائلاً: “لقد طاف صوتكم الخلاصي في الأرض كلَّها يذيع بالحق يا رسل الرب الشاهدين أولي المجد فيا أوربانوس وامبلياس وارستوبولوس وأبيلّيَس ونركسس واستاخيوس تشفعوا طالبين لنفوسنا السلام وعظيم الرحمة.
أيها الإخوة الأحباء،
أيها المسيحيون الأتقياء،
لقد جمعتنا اليوم في هذه الكنيسة المقدسة التي تحمل اسم (رقاد والدة الإله) ذكرى الرسل القديسين الذين من السبعين رسولاً لكي نشكر ونمجد الثالوث القدوس الصانع العجائب العظام لِلَّذِينَ “يُحِبُّونَ اللهَ”. (رومية 8 :28).
إن صوت الرسل القديسين الحكيم والخلاصيّ قد خرج إلى كل المسكونة، إذ أن صوت الرسل وكلامهم هو إنجيل محبة المسيح الذي ينير ويقدس كل إنسانٍ آتٍ إلى العالم.
فنور البرِ هذا قد كرَّز وبَشَّر به الإنجيلين ورسل ربنا يسوع المسيح القديسين لأجل الكنيسة. فإننا مدعوون نحن لكي نتسربل بنور شمس العدل أي المسيح وليس (بالبز والأرجوان) الذي كان يتسربله الغني الجاهل الذي سمعناه في الفصل الإنجيلي اليوم والذي كان يتنعم كل يوم مترفهاً ومُتنعماً بخيراته المادية. ويَهمل بل بالأحرى يَحتقر أليعازر المسكين “والذي كان يشتهي أن يشبع من الفتات المتساقط من مائدة الغني”.
ويعلق القديس كيرلس الاسكندري قائلاً: نرى في هذا المثل صورة الغني ذو القلب القاسي والفقير لعازر الذي يعاني المرض وذلك لكي يعلم الذين يملكون ويكنزون الأموال على الأرض ولا يريدون أن يمنحوا ويساعدوا الفقراء والمحتاجين فليعلم جيداً هؤلاء الأغنياء بأنها ستأتي ساعةً لن يستطيعوا أن يهربوا فيها من الدينونة الرهيبة.
وإن أردنا أن نسهب، نقول أنّ في هذا المثل يُعرض لنا شيئين اثنين:
الأول: وهو حالة الإنسان في هذا العالم.
والثاني: وهو حالة الإنسان ما بعد الموت، حيث تدان نَفسُ الإنسان من الديّان العادل الذي هو كلمة الله ربنا ومخلصنا يسوع المسيح كما يشهد الإنجيلي” لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي”. (يوحنا 26:5-30).
بكلامٍ آخر أيها الإخوة الأحبة علينا أن نُدرك أن قوة كلمة الإنجيل أو بالأحرى قوة إيماننا المسيحي مؤسسةً:
أولاً: على حقيقة قيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح من بين الأموات كما يقول القديس بولس الرسول:” فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ !وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ” (1 كو 13:15-14). وفي موضعٍ آخر “وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ”(1كورنثوس 15 :17).
وثانياً: على وجود العدل الإلهي على “(الله الآب) الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ” (1بط 1: 17). فسَيُدانُ بحسب العدل الإلهي كلُ من لم يؤمن بالحقيقة بل كانوا يفرحون ويسرون بالظلم “لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ”. (2 تسالونيكي 2 :12)
“يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ” هكذا يُنادي الغني الظالم في الفصل الإنجيلي ويقول “ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ.فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ”. (لوقا16: 24-25)
ومن هنا نستنج أنه علينا نحن الأحياء أن يكون لدينا دوماً “ذكر الموت” وبالأحرى موت المسيح، كما يُعَلِّم القديس بولس” فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ”. (1كورنثوس 26:11). ويعني القديس بولس الرسول هنا عن المشاركة في سر الشكر الإلهي أي القربان المقدس.
يوضِحُ القديس بولس الرسول المُلهَم من الله في فصل رسالة اليوم إلى أهل غلاطية بأنه في سر المعمودية المقدس قد صُلب حقيقةً مع المسيح والآن لا يحيا هو بل يحيا المسيح بداخله “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي”. (غلاطية 20:2).
لذلك يا إخوتي الأحبة إن حياتنا يجب أن يديرها ويقودها إيماننا السليم والمستقيم بابن الله، الذي هو ابن العذراء مريم” المصلوب والقائم من بين الأموات لأجلنا نحن الخطأة، فعلينا أن نجاهد ونُميت شهوات ووَثبات الجسد وبالأخص أنانيتنا، لأنكم رأيتم ما قد حصل للغني الظالم نتيجة تصرفه بغرورٍ وكبرياء لهذا فإن إنجيل اليوم يَحُثنا على اليقظة والانتباه لأن الرب يقول:” اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ”. (متى 24 : 42).
ولا ننسى أيها الأحبة تحذير القديس يعقوب أخي الرب في رسالته الجامعة إذ يقول: ألا نكون قساة القلوب وبدون شفقة وذلك لأن حكم الله سيكون بلا رحمة وشفقة لأولئك الذين لم يصنعوا شفقة بإخوتهم.
إنّ الرحمة أي “الشفقة” لا تخشى الدينونة بل العكس تفتخر بحد ذاتها لأنها تنتصر وتبين بأن الرحمة أقوى من الدينونة والحكم. “لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ”. (يع 2: 13)
لهذا فإننا مع مرنم الكنيسة نهتف متضرعين إلى إلهنا الرحوم والمحب البشر قائلين: يا كواكب المسيح الثاقبة النيّرة والأواني النقية الطاهرة. التي حوت بالإيمان كل شعاع الروح الإلهي. ويا أعمدة الكنيسة والسماوات المجيدة التي تُذيع مجد الله. تشفعوا إليه طالبين لنفوسنا السلام وعظيم الرحمة.