كلمة صاحب الغبطة بطريرك المدينة المقدسة كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس سابا المتقدس في لافرا القديس سابا 18-12-2016
أَيُّها المتأَلِّهُ العقلِ سابا. أَتممتَ السيرةَ على الأَرْضِ بحسنِ عبادةِ. فظهرتَ إِناءً طاهراً للروح. منيراً المتقدِّمينَ إِليكَ بإيمان. لذلك يا أَبانا المغبوط. ابتهلْ إِلى سيدِكَ. أَن يُنيرَ نفوسَنا نحن مادحيكَ. هذا ما يرنمهُ مُرتلُ الكنيسة.
أيها الآباء الأجلاء والإخوة المحبوبون في المسيح،
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء،
إنّ سابا المتأَلِّهُ العقلِ، والمُعادِل الملائكة، وشريكُ الشهداءِ الرسلِ في الميراث قد جمعنا اليوم في هذه اللافرا المُقدسة والتي تحمل اسمه لكي نعيّدُ مُحتفلينَ بِتذكارهِ المُقدس رافعينَ صلوات الشكرِ والتمجيد للإلهِ الواحد المثلث الأقانيم.
إنّ أبينا القديس سابا فَخرَ المتوحدين ومُعلّم حياة الصحراءِ النسكيّة، وهذا لأنّ أبينا البار قد بيَّنَ وأظهرَ لنا الطريق المؤدية إلى النور الذي لا يَعروهُ مساءٌ، نورُ المسيح الخلاصيّ هذا النور أي الروح القدس والذي أصبح له أبينا البار إناءً طاهراً، منيراً المتقدِّمينَ إِليهِ بإيمانٍ. كما يقول المُرنم:” إِياكَ نُكرِّمُ يا أَبانا البارُّ سابا. المرشدَ جماهيرَ المتوحِّدين. لأَننا منكَ تعلَّمنا السُّلوكَ في المنهَجِ القويم. فمغبوطٌ أَنتَ بالحقيقة. لأَنكَ تعبَّدتَ للمسيح. وخَذلْتَ قوَّة العدُوّ. يا مُشارِكَ الملائكة. ومُساكِنَ الأَبرارِ والصِّدِّيقين. فمعهمُ ابتهِلْ إِلى الربِّ أَن يُخلِّصَ نفوسَنا.”
حقاً أيها الإخوة الأحبة إنّ أبينا سابا قد خَذَل قوَّة العدُوِ أي قوَّة الشر والفساد وموت الخطيئة وما يؤكد كلامنا هذا ذَخائرهُ أي رفاتهُ المقدسة غير البالية الموضوعةِ هنا أمامَ أعْيُننا وقد نجح قديسنا البار في هذا لأنهُ سَمعَ لقول الرب “اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ” متى 6: 33.
إن ملكوت الله الذي أسسهُ مخلصنا المسيح على الأرض لا يوصي بالمأكل والمشرب بحريةٍ بل يوصي بالبرِ والعدل والسلام والاتفاق والانسجام مع إخوتنا وبالفرح النابع من الروح الكليّ قدسهُ وذلك لأن الإنسان الذي ينشغل بعمل الفضائل لأجل المسيح يصبِحُ مرضياً لله ومزكىً عند الناس كما يكرِزُ القديس بولس الرسول “لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ .لأَنَّ مَنْ خَدَمَ الْمَسِيحَ فِي هذِهِ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ، وَمُزَكُى عِنْدَ النَّاسِ. (رو 14: 17 – 18)
لقد شابهَ وماثل القديس سابا الرسل الإلهيين وبالأخص القديس بولس العظيم مكرساً نفسهُ “لِعبَادِة اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ” (1 ثسا 1: 9) ففي الثامنةِ عشرة من عمرهِ خرج القديس سابا إلى الأرض المقدسة وجاء إلى القديس أفثيميوس وأَحَالَهُ، في المقابل على القديس ثيوكتيستوس ليقبلهُ في عِدادِ نسّاكهِ فبقي في دير القديس ثيوكتيستوس اثني عشر عاماً ضاهى خلالها كبار الشيوخ في الدير كما يقول كاتبُ سيرتهُ.
وبكلامٍ آخر إنّ أبينا البار سابا قد أَنجزَ ونفّذَ حرفيّاً بالقول والفعل ما أوصى بهِ القديس بولس الرسول “غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ (رو 12: 11-12)
لهذا فإنّ مرنمُ الكنيسة يَهتُفُ قائلاً:” أَيُّها الأَبُ الكليُّ الغِبطة. بما أَنكَ صِدِّيق قد أَشرقَ عليكَ ضِياءُ القديسينَ في السماوات. لأَنكَ أَحببتَ حُبّاً صادقاً المسيحَ البرَّ الحقيقي. مُقتَفِياً آثارَهُ في سيرتهِ الجالبة الحياة. واقْتَديتَ بهِ في القداسةِ عَلَى قَدرِ طَاقَتك”.
ولهذا تماماً نحن مدعوونَ اليوم أيها الأحبة نحنُ المُمتدحينَ والمكرمينَ بوقارٍ تذكارَ أبينا البار سابا المتوشح بالله، لكي نتبعَ خطوات المسيح وهذا لا يسري فقط على الرهبان الذين يتنسكون في لافرا القديس سابا المتقدس بل أيضاً على أصدقاء صديق المسيح أي أبينا البار سابا. ونقول هذا لأنّ ربنا ومُخلصنا يسوع المسيح كان نموذجاً ومثالاً للصبر لأبينا البار سابا حتى يقتدي به في صبره على جهاداته الروحية والنسكية.
لأنه كان يُنصتُ دوماً لأقوال القديس بطرس هامة الرسل الذي يقول:” فأي مجدٍ لكم إن أظهرتم صبراً وأنتم مخطئون؟ والتي لأجل أخطائكم وبسببها يلطمونكم على وجوهكم؟ ولكن إن أظهرتم صبراً، بالرغم من أنّكم تعملونَ واجبكم نحو رؤسائكم، وتتألمون وتعانون من افتراءاتهم، وتعديهم عليكم، فإن هذا مقبولٌ ومُرضيٌ أمام الله”. لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ (1 بط 2 :20 -21).
ختاماً نتضرعُ لأبينا البار سابا الذي أصبحَ إناءً طاهراً للروح القدس ومرشداً للمتوحّدين ومع المرنم نَهتِفُ قائلين:” ابتهلْ إِلى المسيحِ أَيها البارّ. أَن يَمنحَ الكنيسةَ الوئام والسَّلامَ للعالم وعظيم الرحمة، وأن يؤهلنا أن نعيّد ميلاد إلهنا ومخلصنا المسيح وأيضاً نشكر المحسنة وحامية جنس البشر سيدتنا الفائقة البركة والدة الإله الدائمة البتولية مريم وأبينا البار سابا”. ومع المرنم نهتف قائلين: أَيَّتُها الأُمُّ البتول. عُرفتِ بالحقيقةِ باباً مُنيراً لتَدبيرِ الكلمةِ الخلاصيّ. لأَنكِ جَلبتِ لنا الشُّعاعَ العقليَّ للاهوتِ الفائقِ السُّمُوّ.
آمين