شخصيات روحانية هامة

null
Share

image_pdfimage_print

 

في منطقة فلسطين حصل سر التجسد الالهي, هذا الحدث الذي ترك بصمةً روحيةً في حياة البشرية. تجسد ابن الله الكلمة الاله الانسان الذي اثّر بشكل جذري في الانسانية, وكسر الحواجز العرقية والاجتماعية بين الناس بغض النظر عن اصولهم أو لغتهم.

ألاماكن التي بها وطأت قدمي الرب يسوع المسيح والمدينة المقدسة أورشليم تعتبر مركز هذا الحدث الخلاصي, واصبحت فيما بعد مراكز العبادة المسيحية.

بُنيت الكنائس في كل موضع له علاقة بمسيرة السيد المسيح الخلاصية على ألارض, وأصبحت هذه ألاماكن المقدسة فيما بعد تحت عناية البطريركية ألاورشليمية التي حافظت عليها, وخاض الرهبان والكهنة في الماضي نضالاً كبيراً من أجل الحفاظ وحراسة هذه ألاماكن من كل تدخل خارجي كان هدفه هدمها أو السيطرة عليها بالقوة.

في القرن الرابع للميلاد تكونت مجموعة من الرهبان التي سُميت بطغمة “الرهبان الكبار”, هدفها كان حل المشاكل الموجودة وحماية المقدسات.

ظهرت بعض الشخصيات الروحانية التي لعبت دوراً بارزاً وهاماً في الحفاظ على المقدسات وإكمال المسيرة الروحية للبطريركية ألاورشليمية. وكان لهم فضلاً في إنتشار الحياة الروحية في ألاراضي المقدسة.

في القرن الرابع ميلادي ظهر أسقف أورشليم كيرلس الذي يُعتبر شخصية بارزة في تاريخ البطريركية ألاورشليمية, الذي جهّز المؤمنين بإقتبال سر المعمودية المقدس. وفي القرن الخامس ظهر البطريرك الاورشليمي يوفيناليوس الذي كان له تأثيراً كبيراً في المجمع المسكوني الثالث والرابع.

في القرن السادس للميلاد برزت بعض الشخصيات الروحانية كالقديس سابا المُتقدس, القديس كيرلس الذي من سكيثوبوليس, ليون البيزنطي اللاهوتي الكبير في تلك الفترة الذي كان يَكن له الامبراطور يوستينيانوس الاول كل التقدير والثقة الذين نظموا الترتيب الكنسي ووضعوا نهجاً للسياسة الروحية الكنسية.

يمثل البطريرك صفرونيوس نموذجاً واضحاً وباهراً في الوحدة والعمل الجماعي والنضال  من أجل الاورثوذكسية وألايمان. حياته الروحانية وتنسكه الرهباني الكبير وحبه للكنيسة وألاورثوذكسية كانت سبباُ في أنتخابه بطريركاً على الكرسي ألاورشليمي.

تلك  الشخصيات الروحانية  التي كانت تملك معرفه لاهوتية كبيرة وروحانيات عالية كان لها الفضل في وضع حجر الاساس للبطريركية الاورشليمية وأخوية القبر المقدس, وجعلت البطريركية تتصدى للظروف الصعبة وألازمنه العصيبة التي كانت تمر بها زمن الحكم العربي, الصليبيين, وزمن الحكم العثماني.

أخوية القبر المقدس إستطاعت أن تحافظ على المقدسات إبتداءً من مغارة الميلاد في بيت لحم حتى موضع الجلجلة والقبر المقدس. وحتى اليوم ما زالت البطريركية ألاورشليمية وأخوية القبر المقدس تواجه بعض المخاطر العدائية الخارجية التي هدفها هدم الوحدة ألاورثوذكسية وألايمان المستقيم.

القديس يعقوب اخو الرب

القديس يعقوب هو أول اسقف على المدينة المقدسة أورشليم وأول أسقف في المسيحية. بعد قيامة الرب إختاره الرسل والتلاميذ أسقفاً على أم الكنائس اورشليم لعِفَتِه وإيمانه.

كان له تقديراً كبيراً من رجال الكنيسة ألاولى حتى أن البعض يعتبره مع القديسين بطرس الرسول ويوحنا ألانجيلي “عاموداً لكنيسة المسيح”. كان له تقديراً ايضاً من يهود المجمع. كتاباته وكلامه عن الايمان جعلت منه وجهاً مضيئاً ومقدساً في الكنيسة.

يُدعى بأخي الرب ليس لان له علاقة دم مع السيد المسيح بل بسبب عِفّتِه وطهارته ومحبته الشديدة للسيد الرب يسوع المسيح, وهذه التسمية جاءت حسب عقيدة تأله الانسان أي علاقة الانسان بالله واتحاده معه.

كان القديس يعقوب أيضاً معلماً روحياً للمسيحيين. تعاليمه عن الحق جاءت في رسالته الى اسباط اسرائيل الاثني عشر في بقاع الارض المختلفة, والى كل المسيحيين في العالم, لهذا سُميت رسالته “بالرسالة الجامعة”. كُتبت سنة 50 ميلادي في أورشليم.

في الاصحاحات الخمسة من الرسالة يشرح القديس يعقوب ألايمان المسيحي والحياة المسيحية. بكلمات قليلة وبسيطة يُرشد الناس الى إرادة الله والى الحقيقة. علّم أنه لا يكفي فقط أن نسمع كلمة الله, بل يجب أن نعمل بها ونطبقها, وشدّد على أن ألايمان بدون أعمال لا يكفي ولا ينفع.

ببساطة كانت الرسالة عبارة عن مجموعة من الحِكم والارشادات تتناول السلوك المسيحي والحياة الرعائية كالصبر في الشدائد وإلايمان الفاعل بالمحبة وضبط النفس وأهمية وقوة الصلاة والتحذير من خدمة الله والمال سواء بسواء.

كتب خدمة القداس الالهي الذي يُدعى بإسمه, وهي أول خدمة في الحياة المسيحية والتي استوحى منها القديسان يوحنا الذهبي الفم وباسيليوس الكبير خدمتا القداس الالهي فيما بعد والمعمول بهما لغاية الآن في الكنائس ألاورثوذكسية.

إستشهد بعد أن حكم عليه رئيس كهنة اليهود حنّان بالرجم بسبب وَعظِه بالايمان بالسيد المسيح, وكان ذلك في العام 62 للميلاد قبل فترة قصيرة من محاصرة أورشليم وهدمها من قِبل الرومان.

القديس مرقس ألانجيلي

وُلِدَ القديس مرقس في القيروان إحدى المدن الخمس الغربية بليبيا، من أبوين يهوديين واسم والده أرسطوبولوس ووالدته مريم امرأة تقية لها اعتبارها بين المسيحيين الأولين في أورشليم. وحمل مارمرقس اسم يوحنا أيضًا (أع12:12) وهو ابن أخت برنابا رفيق خدمة بولس الرسول. ووالده ابن عم زوجة القديس بطرس أو ابن عمتها (القيروان هي مدينة كيريني أو سيريني). وإذ هجمت بعض القبائل المتبربرة على أملاكهم تركوا القيروان إلى فلسطين حيث تمتع مع والدته بالسيد المسيح، فقد كانت أمه من النساء اللواتي خدمن السيد من أموالهن. وفي بيت مارمرقس أكل السيد الفصح مع تلاميذه في العلية، وهناك غسل أقدامهم وسلمهم سر الإفخارستيا وفيها حلَّ الروح القدس على التلاميذ فصارت هذه العلية في بيت مارمرقس أول كنيسة. وكان مرقس من السبعين رسولًا.وكان هو الشاب الذي كان حاملًا الجرة عندما التقى به التلميذان ليعدا الفصح للسيد (مر13:14-14) وهو الشاب الذي ترك إزاره وهرب عاريًا عند القبض على السيد (مر52:14). (مرقس هو اسم روماني ويوحنا اسمه العبري). ويرمز للقديس مرقس بالأسد، اذ  بدأ إنجيله بقوله “صوت صارخ في البرية” وكأنه صوت أسد يمهد لمجيء السيد المسيح “الأسد الخارج من سبط يهوذا” (رؤ5:5).

بدأ خدمته مع بطرس في أورشليم واليهودية ثم مع بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى وكرز معهما في إنطاكية، ولظروف ما عاد إلى أورشليم. وفي بدء رحلة بولس الرسول الثانية أصر بولس على عدم إصطحاب مرقس معه فانفصل عنه برنابا وذهب برنابا مع مرقس وأخذ بولس معه سيلا (أع4:13-5+ 39:15-40) “كان يوحنا خادمًا” كلمة خادم في أصلها اللغوي معلم مدرسة فهو يعلم ويعد الناس للمعمودية. ثم اختفت شخصية مارمرقس من سفر الأعمال إذ ذهب ليكرز بعد انفصاله عن بولس مع برنابا إلى قبرص ثم انفصل عن برنابا وذهب ليكرز في الخمس مدن ثم جاء ليكرز في مصر. وأسس كنيسة الإسكندرية. ورسم إنيانوس ليصير أول بطريرك مصري على الكرسي الإسكندري. ولما هاج الشعب الوثني عليه ترك الإسكندرية وذهب إلى ليبيا ومنها إلى روما حيث إلتقى بالقديسين بطرس وبولس وبقى معهما حتى استشهادهما سنة 64م. وعاد سنة 65م ليجد الإيمان المسيحي قد ازدهر فقرر أن يزور المدن الخمس وعاد ثانية إلى الإسكندرية ليستشهد فيها.

أجمع الدارسون أن انجيل القديس مرقس هو أقدم ألاناجيل. وكان المصدر الرئيسي لكلا الإنجيليين متى ولوقا. ويرى البعض أنه كتب في مصر والبعض الآخر يرى أنه كتب في روما.

إذ كتب القديس مرقس للرومان أنه يترجم الكلمات الآرامية التي لا يفهمها الرومان, يشرح العادات اليهودية, لم يقتبس كثيرًا من العهد القديم كما فعل متى ألانجيلي. الرومان رجال عمل وليسوا رجال فلسفة وأقوال لذلك يقدم مرقس المسيح لهم كرجل أعمال ومعجزات ولا يقدم عظاته وأقواله.

   آمن الرومان بالقوة والسلطة كأصحاب سيادة في العالم في ذلك الحين لذلك حدثهم مرقس عن المسيح كصاحب سلطان حقيقي على كل شيء، على الشياطين (27:1) وعلى الأمراض (42:1) وعلى الطبيعة (39:4-41) وعلى النباتات (12:11-20) وعلى الهيكل (33:11) وقدم المسيح كرب للسبت (28:2)، له سلطان أن يعرف الأفكار (8:2) ويعلن أسرار المستقبل (ص13)، قادر أن يشبع الجماهير (33:6-44، 1:8-9) بل أن هذه القوة ستتبع من يؤمن به (17:16-18) فالمسيح قوي وهكذا من يتبعه. ولكن الرومان آمنوا بالسيادة خلال العنف والكبرياء مع الاغتصاب، أما مارمرقس فيعلن سلطان السيد خلال الاتضاع وخدمة الآخرين. و ركز الإنجيل على إبراز الصراع بين السيد المسيح واليهود ليشجع الرومان على قبوله خصوصًا أنه لم يقابل اليهود في ضعف بل كان يفحمهم، وحين صلبوه لم يفعلوا هذا عن ضعف من جانبه، إذ هو سبق وأعلن لتلاميذه عن صلبه، مؤكدًا ذلك 3 مرات (31:8+ 31:9+33:10-34) وموضحًا أنه يقوم من الأموات ويأتي بمجد أبيه مع الملائكة القديسين (38:8) ويأتي على سحاب السماء (62:14) ومن جانب آخر أوضح اتجاه السيد نحو الأمم (24:7-30+ 17:11+ 10:13+ 15:16) وجاءت وصيته الأخيرة اذهبوا إلى العالم أجمع… (15:16) (33:9-36)