القبر المقدس

null
Share

image_pdfimage_print

 

يوجد في ” قلب ” كنيسة القيامة , القبر المقدس , ” الخليقة الجديدة “, الذي صار ” فارغا ” بعد قيامة السيد المسيح فتغير بذلك مجرى التاريخ العالمي ومسيرة الانسانية . ان اللحظة التي يتواجد فيها الزائر الحاج أمام المقصورة المقدسة , لا تعد فقط , من نواحي كثيرة , اهم لحظة في الحياة الروحية , بل في وجود المسيحي في حد ذاته . لهذا نقوم بتناول جميع الأمور التي تتعلق بالقبر المقدس في فصل خاص سوف يرد ما يلي : 

معلومات تاريخية عامة 

 في الغرب من ” كنيسة نصف الدنيا ” في كنيسة القيامة , أسفل قبة الكنيسة , نوجد المقصورة المقدسة , فوق قبر المسيح . انه القبر المقدس , المحج الرئيسي بكنيسة القيامة , وامنية كل مسيحي الذي يريد ان يتواجد في هذا المكان حيث انتصر نور المسيح على ظلام السقوط , الهلاك والموت . 

لقد اخذ الشكل الحالي , الذي يشاهد الزائر منذ 1810 , بعد الحريق الكبير الذي نشب في عام 1808 . لقد اخذ هذا المكان اشكالا كثيرة , وطرأت العديد من التصميمات المعمارية , على مدار القرون العشرين التي مرت منذ صلب وقيامة السيد المسيح . 

كان القبر الاصلي , وفقا لما ورد في الانجيل , عبارة عن قبر منحوت بالصخرة , علر اساس التقليد اليهودي السائد في ذلك العصر . كما ذكرنا في السابق , بعد العثور عليه من القديسة هيلانة , تم تهذيبه باسلوب يسمح له الاستقلال عن بقية الكتلوة الصخرية التي كان يتبع لها في الاصل والتي تم تسويتها من اجل سهولة اقامة المزارات الدينية والمباني الكنيسة التي شيدها الامبراطور قسطنطين الكبير . 

يتحدث افسيفيوس من القيصرية عن الاعمدة الجميلة التي كانت تزين القبر المقدس , اثناء المرحلة الخاصة بالامبراطور قسطنطين. تصف الرحالة ” ايثيريا ” ( أو ايجيريا ) القبر المقدس بأنه موجود داخل بناء اخر من اجل حمايته . وفقا لمصادر لاحقة , كان القبر المقدس في البداية طلقا , عليه سقف ذو ثمانية اضلاع , من صنع النحاتين الذين نحتو الصخرة الاصلية . من المفروض انه احتفظ بالشكل الذي يرد في مصادر من القرنين السادس والسابع , حتى تدمير الكنيسة من الخليفة الحاكم , في الفترة من 1009-1012 . كان القبر المقدس يوجد في وسط مكان فسيح, منحوتا في صخرة يحيط بها جدار , بينما كان يوجد فوقه شكل مظلة مفرغة تستند الى دعائم بارعة . 

وقد ادى التدمير الذي حدث في اوائل القرن الحادي عشر , كما ذكرنا , ادى الى تسوية الصخرة وتدمير المائدة التي كانت موجودة . نتيجة لذلك , في اطار اعمال الترميم والبناء التي قام بها الامبراطور قسطنطين التاسع مونوماخوس , في الفترة من 1042-1048 , تم اقامة بناء مستطيل حول القبر المقدس , حيث كان على شكل نصف دائرة متعددة الاضلاع في جهته الغربية , وتحيط به دعائم ملتصقة في جدرانه المغلقة . 

لقد ادى حريق عام 1808 الى تدمير البناء القديم الذي كان يحمي القبر المقدس . في اطار اعمال الترميم التي تمت بالكنيسة , قامت امة الروم بالمساهمة لاقامة المقصورة التي يشاهدها الزائر الان , من الواح من الحجر المحلى ذو اللون الابيض والاحمر , في الجهة الغربية للبناء الدائري ” روتوندا ” . هكذا يعد الروم الارثوذكس , اي اخوية القبر المقدس وبطريركية اورشليم للروم الارثوذكس , تاريخيا , الجهة الوحيدة التي قامت بالترميم , واصحاب الحق في حيازة هذا المزار المقدس . ويدل على ذلك وجود حارس من الروم الرثوذكس عند مدخل المقصورة المقدسة , لتنظيم دخول الحجاج , ويعتني بممارسة حقوق اخوية القبر المقدس والحفاظ على الوضع السائد في المقدسات الدينية. 

المقصورة المقدسة من الخارج 

يوفر لنا احد النصوص الموجودة هنا , المنقوش على الواجهة , معلومات عن الترميم الذي ترتب عليه الشكل الحالي للقبر المقدس : تم اعادة بناء مقصورة القبر المقدس من اساساتها بمساهمة الروم الارثوذكس , في عهد البطريرك كيريوس بوليكاريوس في شهر مارس , من عام 1810 . 

تتمثل العناصر الزخرفية الساسية التي تزين الجهات الخارجية للمقصورة المقدسة في الاعمدة , العضائد والاقواس التي تعلوها . وتتميز المقصورة المقدسة بالزخرفة المنحوتة داخل وخارج المزار المقدس . توجد عند عتبة الباب الوحيد الموجود بالمقصورة نص يتضمن اسم هذا المعماري الموهوب في عصره , الذي صمم وبنى المقصورة المقدسة : المعماري الملكي ختزى كومنينوس 1810 . 

يوجد الباب الوحيد للمقصورة في جهتها الشرقية . 

لقد انقذ الباب الخشبي القديم , المطعم بالصدف , من حريق عام 1808 , وهو محفوظ الان بمتحف البطريركية . يتميز الباب الذي يغلق الان مدخل المقصورة بوجود مقارع فضية رائعة , مكتوب عليها العبارات التالية : على اليمين : افتح لنا يا رب باب رحمتك على اليسار : وانظر من مسكنك المقدس . 

توجد في واجهة المقصورة اربعة اعمدة صغيرة ذات قطعة واحدة من اللون الابيض الارجواني , تعلوها تيجان ذات طراز كورنثي . يوجد فوق المدخل نقش بارز يمثل قيامة السيد المسيح , التي تتميز بالطلاء الفضي الذي اضيف عليها في فترة لاحقة . يوجد فوق هذا المشهد , نقش يتضمن النص التالي , على هيئة لفافة مخطوط : 

نقف امام قبرك القابل للحياه نحن غير المستحقين ونمجد لرحمتك التي لا توصف , ايها المسيح الهنا . بينما في صورة لفافة مخطوط اصغر , في الجزء الاسفل من هذا المشهد يوجد النص التالي :  

ان قد راينا قيامة المسيح فلنسجد للرب القدوس يسوع البريئ من الخطأ وحره . 

يتدلى امام مشهد القيامة اثنا عشر قنديل فضة دائم الاشعاع , التي تضيئ بعناية الارثوذكس , اي اخوية القبر المقدس. يتبع القنديل الكبير الذي يضيئ امام المقصورة المقدسة الارثوذكس ايضا . يوجد كذلك على جانبي المدخل شمعدانات بارعة من المرمر , عليها النقش التالي : 

ملك واهداء الى المسيح من اروم الارثوذكس . 

الذي يدل على حيازة الروم الارثوذكس لهذا المحج المقدس للمسيحية .اجمالا , يوجد على جانبي المدخل , اثنا عشر من الشمعدانات , ستة كبيرة وستة صغيرة , موزعة بالتساوي فيما بين الارثوذكس واللاتين والارمن . في وسط الواجهة , فوق القناديل , يمسك ملاكان بالتاج الملوكي , بينما توجد على الجانبين , داخل اطار مستطيل , النصوص التالية : 

في المكان المقابل في الجهات الثلاثة الاخرى للمقصورة , توجد اطر مستطيلة منقوشة , عليها الكتابات التالية : 

حتى نسجد جميع المؤمنين لك ايها القبر القابل للحياه . حيث انه دفن بك واقام المسيح ربنا الحقيقي . يا جميع من تشكون في قيامة الاموات اقتربوا من قبر المسيح واعلموا ان الجسد قد مات وقام المسيح الواهب الحياه , تاكيدا للقيامة التي نامل بها . 

في الجهة المقابلة من الجوانب الثلاثة الاخرى , للمقصورة المقدسة توجد اطر مستطيلة , منقوش عليها النص التالي: 

سبحوا ايها الامم والشعوب للمسيح الهنا الذي احتمل الصليب مختارا من اجلنا ونزل الى عالم الاموات ثلاثة ايام . واسجدوا الى قيامته من عالم الاموات التي تنير العالم اجمع . 

توجد بجوارها تضرعات تذكارية , التي تعد تذكارا لبقية العمال والمعلمين من الصناع الذين عملوا في بناء المقصورة المقدسة , حيث نجد النص التالي : اذكر يارب عبيدك ختزى لازاروس ذوفارتزي بن ثيئوذوروس من بلدة لوفروكولوموغلو وختزى سوفاتزي . واذكر يارب عبدك انطونوعلو , ختزي بوتوس من بلدة القديس سطفانوس بالقيصرية وختزي الياس يوحنا (…) 

(ملحوظة : ختزي لازاروس بمعنى الحاج او المقدس لعازر , ختزي سوفاتزي او الحاج /   المقدس سوفاتزي , ختزي الياس او الحاج / المقدس الياس …) 

يجب ان نشير الى انه في واجهة المقصورة المقدسة , قد تمت  اضافات في عهد لاحق , من اللاتين والارمن . فقد وضع اللاتين لوحة زيتية كبيرة تمثل القيامة , فوق الايقونة البارزة المذكورة سابقا , بينما وضع الارمن رسم بارز في الاسفل . تشتعل امامها سبعة قناديل تابعة للاتين واثنا عشر قنديل اصغر , تابعة للارمن , مما يؤثر في الشكل الاساسي للبناء ويغطي على جزء من النقوش اليونانية القديمة . 

يوجد عند قمة المقصورة دربزين , يشمل عضائد حجرية واعمدة صغيرة , وعند هذا الارتفاع , في وسط الواجهة نقشت عين بارزة , فوق شكل زهرة زخرفية . توجد عند قاعدة الدربزين شكل اكليل يتكون من تيجان الدعائم الزخرفية للدعامات الخامية . فوق المقصورة الرئيسية , اقيمة قبة من الرصاص , تستند الى دربزين من الاعمدة الصغيرة والدعائم . هذا الدربزين يستند بدوره , على اكليل معقود . تتميز كافة العناصر الزخرفية للمقصورة المقدسة , التي تاخذ شكل الكنيسة , بالحس الجمالي الوجيد الذي يتعلق يالتصميم والتنفيذ الرائع . 

داخل المقصورة المقدسة – الحجر المقدس 

ينقسم داخل المقصورة المقدسة الى قسمين . يطلق على الغرفة  الاولى للقبر المقدس , اسم ” الحجر المقدس ” أو ” كنيسة الملاك “. هنا , في وسط الغرفة , بداخل صندوق رخامي , يستند الى مائدة حجرية مربعة الشكل , توجد قطعة من الحجر الذي كان يجلس عليه , الملاك الذي ابلغ النساء حاملات الطيب بنبأ قيامة السيد المسيح , كما ورد في الانجيل . تمتد الكتابة حول الاربعة جهات للصندوق : 

لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر . 

توجد في سقف الغرفة قبيبة ذات ثقب من اجل تهوية المكان . يتدلى من السقف خمسة عشرة قنديلا , خمسة منها تابعة للروم الارثوذكس , خمسة منها تابعة للاتين , اربعة منها تابعة للأرمن وقنديل تابع للأقباط . يوجد على الجدران قشرة رخامية رائعة, بينها الارضية مفروشة بقطع رخام ذات الوان مختلفة . هنا , فوق حافظة الحجر المقدس , يقام كل ليلة , قداس من الارثوذكس , لاعداد الغفيرة  من الحجاج , حيث يقوم بالصلاة اسافقة وكهنة من جماعات الحجاج , بالاضافة الى اباء من اخوية القبر المقدس . 

 اثناء اداء القداس الالهي , يستخدم القبر المقدس كمائدة تقدمة, والحجر المقدس كمائدة مقدسة , بعد اضافة حولة مائدة خاصة متنقلة , صنعت خصيصا لاقامة سر الشكر الالهي ” الافخريستا ” . 

يوجد على جدران الغرفة فتحتان شكل بيضاوي , يخرج منهما النور المقدس بعد فيضه الاعجازي , في ظهر يوم السبت العظيم ( سبت النور ) . الباب المنخفض الذي يؤدي الى غرفة القبر المقدس , غني بالنقوش الزخرافية . في الجزء الاعلى تم نقش الحجر وحاملات الطيب , على اليسار , بينما على اليمين نجد رئيس الملائكة جبرائيل , بينما الشخصيات تتأكد من النقوش التالية : مريم ام يعقوب سالومي مريم المجدلية رئيس الملائكة جبرائيل . 

وكتابة تمد فوق شريط تتضمن النص التالي : 

يا حاملات الطيب لماذا تطلبن الحي بين الاموات ؟ لقد قام الرب . 

توجد فوق هذه المشاهد ايقونة قيامة المسيح , واعلاها ملاكان يحملان البوق , ونقش يحمل العبارة التالية : 

من هذا الباب يدخل الحاج الى غرفة الدفن , الى القبر المقدس . 

القبر المقدس قابل للحياة  

 يتكون القسم التاني من المقصورة المقدسة من غرفة مستطيلة منحوتة في الصخرة , حيث تم تغطية جدرانها بالرخام. يؤدي المكان الذي وضع به جسد المسيح الطاهر , في الجزء الشمالي من الغرفة , وتم تغطيته في جهته الرئيسية وجزئه العلوي , بالواح من الرخام الابيض . يوجد على جدارة بالنقش البارز لوحة القيامة . يحيط بالمسيح القائم من الاموات ملاكان عند القاعدة وملاكان بالاعلى , يمسكون اكليلا , بينما على الجنبين توجد العبارة التالية : انتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب ؟ قد قام . ليس هو هنا . هوذا الموضوع الذي وضعوه فيه .  

توجد بالقبر المقدس شموع مشتعلة باستمرار وثلاثة واربعون قنديل  دائمة الاشعاع , منها ثلاثة عشر من القناديل تابعة للأرثوذكس , ثلاثة عشرة تابعة للاتين , ثلاثة عشرة للأرمن واربعة قناديل تابعة للأقباط . كذلك , يوجد في الجزء الغربي من المقصورة المقدسة , من الخارج , كنيسة صغيرة ( مصلى ) تابعة للاقباط , اما بداخل القبر المقدس فان اللاتين , ايضا , يقومون باداء الصلوات . رغم ان جميع الطوائف لها حقوق بالقبر المقدس , الا ان وضع الارثوذكس هو السائد , وتقوم بطريركية القدسللروم الارثوذكس واخوية لقبر المقدس بالدور الاساسي في اقامة طقوس العبادة في اقدس مكان للمسيحية , وفقا لما ذكرناه بالتفصيل فيما سبق . 

توجد في الجزء العلوي من الغرفة حلية رخامية , تحتوي على افريز , مكتوب عليه الطروبارية التالية التي ترتل في صلاة السحر ( سحرية ) عيد الفصح المقدس : 

لقيامتك ايها المسيح مخلصنا , الملائكة في السماء يسبحون , فاهلنا نحن ايضا الذين على الارض ان نمجدك بقلب نقى . 

لقد وضع اللاتين ابقونة بارزة تمثل القيامة بجوار ابقونة الارثوذكس المذكورة , بينما وضع الارمن من الناحية الاخرى للايقونة , لوحة زيتية تابعة لهم . 

يوجد في نقطة اعلى بالقبة الطروبارية التالية للقديس يوحنا الدمشقي :  

ايها المسيح ان قبرك الذي هو ينبوع قيامتنا , قد ظهر بالحقيقة حاملا الحياة , وهو ابهى من الفردوس وجمل من كل خدر ملوكي . 

اخيرا فوق المدخل , نقش صانع المقصورة المقدسة ختمة الذي يعد في ذات الوقت تضرعه الشخصي :  

1810 . اذكر يارب عبدك الصانع الملكي ختزي كومنينوس الميتيليني .