سيطرة العثمانيين الأتراك على الأراضي المقدسة

null
Share

image_pdfimage_print

    

قام العثمانيون الأتراك فحلّوا محلّ مماليك مصر، وكانت أخوية القبر المقدس، بمعونة الإله، تبذل جهداً كبيراً في المحافظة على الأماكن المقدسة أمام حيل وخطط الطوائف المسيحية الأخرى، وهذه الفترة كانت فترة تطور كبير، وهي خضوع المزارات الشريفة تحت ما يسمى بالـ (ستاتيسكو).
وتتميز هذه الفترة من تاريخ أورشليم  بمحاولة الطوائف الأخرى، وخاصة أللآتين والأرمن، من السيطرة على المزارات الشريفة بشكل كامل، أو الحصول على مكاسب أكبر من خلال توجههم إلى سلاطين القسطنطينية ودفع المبالغ ألطائلة لكسب رضاهم، أو من خلال الاستعانة بقوات أجنبيّة. كل هذه الأعمال كانت تحصل لسبب واحد وهو ملاشاة الكنيسة اليونانيّة  الرومية  من الأراضي المقدسة، وإليكم بعضاً من  جهود  أخوية القبر المقدس في لدفاع عن المقدسات :

في فترة الحكم التركي على فلسطين زمن الحاكم سليم خليفة محمد الفاتح، سنة ١٥١٧م، اعتُرف بحقوق كنيسة أورشليم من قبل السلطات التركيّة من جديد، وكان حضور الفرنسيسكان محصوراً ومحدوداً لأن ديرهم دُمّر سنة ١٥٢٣م، ولكن من وقتٍ لآخر، أخذوا ينظّمون أمورهم محاولين زجّ أنفسهم مع الطوائف الأخرى للدخول في النظام القائم على المزارات الشريفة . في القرن السادس عشر، ترك البطريرك جرمانوس الساباوي، سنة ١٥٣٧م، أثراً كبيراً نتيجة نشاطه ومحاولاته المريرة والمتميّزة في تنظيم أخويّة القبر المقدس، وقام أيضاً بعملية ترميم وإعادة بناء الكثير من المزارات الشريفة، وقد نجح في الحصول على فرامان جديد سنة ١٥٣٨م من السلطان سليمان يحفظ من خلاله حقوق الروم في الأراضي المقدسة. وتوجّه أيضاً، باسم أخوية القبر المقدس، إلى أباطرة وحكّام روسيا وطلب منهم مساعدات ماليّة للمزارات الشريفة، وقام بوضع قوانين جديدة تربط أخويّة القبر المقدس ببطريركها ورئيسها بشكلٍ أكبر وأعمق. وقام خلفه، البطريرك صفرونيوس الرابع (١٥٧٩­ –  ١٦٠٨م)، بالعمل على تكملة كل محاولاته السابقة على أكمل وجه.وفي سنة ١٦٠٤م، عُقدت أول اتفاقية بين الدولة العثمانيّة وفرنسا تم من خلالها الاعتراف رسميّاً بحقوق أللآتين في الأراضي المقدسة، وبعد سنة أصبح لهم حقوق في موقع الجلجلة، وفي كنيسة المهد في بيت لحم. وكان ظهور اليسوعيين في الأراضي المقدسة مناهضاً ومنافساً لوجود الفرنسيسكان. وقد حاول الأرمن مراراً مضايقة الروم كي يأخذوا منهم مراسيم النور المقدس، ولكنهم مُنعوا من ذلك بأمرٍ سلطاني سنة ١٦١١م. حينها قام القنصل الفرنسي في مدينة القسطنطينيّة بشّن حربٍ عنيفة ضد البطريرك ثيوفانس الثالث، وبهذا أفلح بالحصول على عدّة فرمانات  (١٦٣١ -١٦٣٤م)  من السلطان مراد كانت قويّة جداً كعهدة النبي محمد (التي أعطيت لرهبان دير سيناء) وكعهدة الخليفة سليم. وحدث أن البطريرك ثيوفانس وقع في عوزٍ شديد وكانت حاجته للمال كبيرةً، فقام بإرسال جميع الأواني المقدسة وباعها لكي يحمي دير الملائكة التابع لدير القديس سابا ويُسدد ديون الرهبان الصرب القاطنين فيه وكذلك ديون الذين كانوا في دير القديس سابا. قام البطريرك باييسيوس (١٦٤٥ – ١٦٦٠م )   بقطع محاولات الأرمن بالاستيلاء على أملاك (الأحباش)، ولكنه لم يستطع منعهم من الاستيلاء على دير القديس يعقوب، وفي سنة ١٦٥٨م أصبح هذا الدير تابعاً بشكل كامل للأرمن، والآن هو مركز البطريركيّة الأرمنيّة في أورشليم.

سنوات البطريرك ذوسيثيوس ١٦٦٩-­١٧٠٧م الممجدة أنارت سنوات الظلام الماضية وشكّلت عائقاً أمام خطط وأعمال غير الأرثوذكسيين الذين استغلّوا الأحداث التاريخيّة وكادوا أن ينجحوا بطرد أخويّة القبر المقدس وتجريدها من كامل حقوقها في المزارات الشريفة. فقد منع ذوسيثيوس محاولات قامت بها فرنسا لإيقاع المزارات الشريفة في أيدي الرهبان أللآتين. وعندما توجه إلى القسطنطينية سنة ١٦٧٧م قام بإلغاء كل ما هو صادر من قبل قناصل دول النمسا، وفرنسا، وبولونيا، وفيينا. وأكّد أنها حقوق أعطيت للآتين بدون أي أساس أو قاعدة تاريخيّة، وأنها جميعها مزوّرة. وفي سنة ١٦٨٠م قام باسترجاع دير الصليب من أيدي الرهبان الجيورجيين الأرثوذكس، وكان يسعى دائماً لسدّ الديون المتراكمة عليهم والتي حاول اللاتين والأرمن دفعها، لكن الحرب التي شنّتها روسيا والدول المذكورة أعلاه ضد الدولة العثمانيّة سنة ١٦٨٨م زادت الوضع سوءاً، ومع أن الخليفة سليمان قام بإصدار فرامان لصالح الأرثوذكسيين في عام ١٦٨٨م، إلا أن خسارة تركيّا من قبل النمسا أجبرتها على إصدار فرمان آخر لصالح اللاتين في العام ١٦٨٩م، والذي كانت فحواه أن يأخذ اللاتين جميع المزارات الشريفة من أيدي اليونان لتكون لهم. وهكذا، وبهذا الفرمان، قاموا بطرد جميع رهبان أخويّة القبر المقدس من أورشليم. لكن البطريرك ذوسيثيوس أقسم أنه لن يعود الى أورشليم قبل أن يطرد أللآتين من المزارات الشريفة، وقد نجح بإصدار عدد كبير من الفرمانات لكنها لم تكن ذات أهميّة كبيرة لصالح البطريركية. لكنه لم يتمكن من رؤية ثمار جهاداته من أجل الإيمان القويم.

وقام البطريرك خريسنثوس الذي نجح في تثبيت حقّ الأرثوذكسيين وبطريركهم في إقامة شعائر النور المقدس. وفي سنة ( ١٧١٩­-١٧٢٠م ) إكتسب حقوق أخرى من أجل الأرثوذكسيين. وفي سنة ١٧٣٧م تأسست أول مدرسة أرثوذكسية في أورشليم من قبل البطريرك بارثينيوس. وحصلت إتفاقية جديدة بين فرنسا وتركيا سنة ١٧٤٠م، كانت هذه الاتفاقيّة بمثابة إعلان الحرب والاضطهاد على أخويّة القبر المقدس. ولكن تم إصدار فرمانين من قبل السلطان عثمان سنة ١٧٥٧م ومن بعده السلطان عثمان مصطفى الثالث سنة ١٧٦٨م بمساعي البطريرك بارثينيوس التي أرجعت حقوق أخويّة القبر المقدس التي سُلبت منهم منذ العام ١٦٨٩م. وهكذا قام البطريرك بارثينيوس بوضع قانون مستحدث لتنظيم أخوية القبر المقدس.